بقلم ماريا جيوفانا مارياني، متدربة في مركز النهضة الاستراتيجي
تُؤثر الأزمات الإنسانية الراهنة تأثيرًا بالغًا على الصحة، لا سيما على الفئات الأكثر ضعفًا وتأثرًا، إذ يحتاج نحو 300 مليون نسمة حول العالم إلى مساعدات إنسانية عاجلة[1]، كما تُشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 36% من العبء الإنساني العالمي، إضافة إلى أن 60% من لاجئي العالم يأتون من هذه المنطقة، وغالبًا ما تكون النساء والأطفال أول من يفر من الصراعات الدائرة فيها[2]. وفي يوم الصحة العالمي الذي يصادف نيسان 7/أبريل، علينا أن نتذكر افتقار ملايين الأشخاص حول العالم إلى الخدمات الصحية الأساسية، كما يُعدّ تأمين الرعاية الصحية الأولية لجميع الأفراد أمرًا بالغ الأهمية، فالصحة حق أساسي من حقوق الإنسان، شأنها في ذلك شأن الغذاء والمياه النظيفة والبيئة الصحية، إذ تسهم تلك الحقوق في تحقيق الرفاه والسلام والأمن العام، لكل السكان.
في أزمة اللاجئين طويلة الأمد، تتفاعل عوامل عديدة معًا وتؤثر على الناس لفترة طويلة، بما في ذلك زيادة الطلب على الخدمات الطبية والأدوية والكوادر الصحية، الأمر الذي قد يُثقل كاهل الأنظمة المحلية. يصل اللاجئون في كثير من الأحيان إلى بلد اللجوء وهم يعانون من حالات صحية سابقة أو يُصابون بمشاكل صحية جديدة بسبب نقص فرص الحصول على الرعاية الصحية، وسوء ظروف المعيشة، وعدم كفاية الصرف الصحي، والنقص في المياه النظيفة. من جهة أخرى، تؤدي الأزمات المطولة إلى ارتفاع حالات مشاكل الصحة النفسية بين اللاجئين وأفراد المجتمع المضيف، وتُثقل ضغوط الصراع والفقدان وعدم اليقين كاهل خدمات الصحة النفسية المحلية، التي غالبًا ما تعاني من نقص الموارد، وقد يواجه اللاجئون عوائق في الوصول إلى الخدمات الصحية جراء العقبات القانونية أو المالية أو الاجتماعية، ما يسبب تفاوتًا في المخرجات الصحية بين اللاجئين والسكان المحليين. وفي العموم، غالبًا ما تفرض استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين ضغوطًا على موارد الرعاية الصحية الموجودة في البلد المضيف، ما يخلق تفاعلًا معقدًا بين الطلب المتزايد، والقيود على الموارد الموجودة، ومخاطر الصحة العامة التي تتطلب استجابات منسقة من الحكومات، والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية.
واقع النظام الصحي في الأردن
منذ عام 2011، استضاف الأردن أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري (بما يمثل 12% من سكان البلاد).[3] وعلى الرغم من إظهار نظام الرعاية الصحية الأردني عدة نقاط قوة رئيسية في إدارة أزمة اللاجئين من خلال توفير المساعدة والحماية لأعداد كبيرة منهم، إلا أن تدفق هؤلاء اللاجئين السوريين مثّل ضغطًا هائلًا على النظام الصحي الوطني، الأمر الذي صعّب على اللاجئين والمجتمع المضيف الحصول على علاج عالي الجودة في الوقت المناسب. علاوة على ذلك، يُفاقم الغموض الحالي المُحيط بالمساعدات الخارجية هذه التحديات، فوفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ففي الأردن مثلًا، فقد يُواجه أكثر من ربع اللاجئين خطر فقدان إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية بسبب نقص التمويل الفعلي، بما يهدد رعاية الصحة النفسية وخدمات الأمومة. وتواجه حوالي 335 ألف لاجئة في سن الإنجاب خطر خسارة خدمات صحة الأمومة الحيوية، الأمر الذي ينتج عنه مجموعة من العواقب الوخيمة في حال عدم توفر التمويل الكافي. وفي ظل نقص الاستثمار والدعم المُناسب، تعجز الأنظمة الصحية عن مواصلة عملها.
توصيات تعزيز الرعاية الصحية واستدامتها
في عام 2007، أطلقت منظمة الصحة العالمية وصفًا لما يسمى بـ “كُتل البناء الأساسية الستة للأنظمة الصحية” بهدف إنشاء نظام صحي وظيفي فاعل يضمن تعزيز الصحة البدنية والنفسية على نحو عادل قائم على حقوق الإنسان:
- القيادة والحوكمة
- تقديم الخدمة
- المعلومات الصحية
- الموارد البشرية
- الأدوية والتقنيات
- التمويل
وتُعدّ الإصلاحات النظامية طويلة الأمد ضرورية لتعزيز عدالة تقديم الرعاية الصحية واستدامتها، وينبغي أن تشمل هذه الاستراتيجية الشاملة ما يلي:
زيادة التمويل والموارد: إذ تقع على عاتق الحكومات مسؤولية منح الأولوية للصحة باعتبارها حقًا من الحقوق، وتبني نهج متعدد القطاعات لإزالة العوائق والعراقيل، وضمان تكافؤ فرص الوصول إلى رعاية صحية جيدة للجميع. يتطلب توفير الرعاية الصحية للاجئين توفر الموارد وهو أمر مكلف، ولذا، يُعدّ الدعم المالي الكافي والمتوقع مسؤوليةً جوهريةً لضمان قدرة خدمات الرعاية الصحية على تلبية الاحتياجات المتزايدة الصادرة عن اللاجئين والمجتمع المضيف بما يشمل الالتزام بحلول تمويلية طويلة الأجل تُعطي الأولوية للرعاية الصحية بوصفها عنصرًا رئيسًا في الاستجابة الإنسانية.
تغيير السياسات: ينبغي على الحكومات والجهات المانحة دراسة جدوى مجموعة من الخيارات التي تراعي وجود سياسات شاملة للاجئين، إضافة إلى أن توسيع نظام التأمين الصحي الحكومي والسعي إلى إدماج جميع اللاجئين تدريجيًا في النظام الصحي الوطني قد يكون حلاً مربحًا لجميع الأطراف، بدلًا من خلق معيار مزدوج منفصل للاجئين، والذي غالبًا ما يكون أكثر تكلفةً إلى جانب معاناته من نقص الاستدامة. فضلًا عن ذلك، يضمن تبني منظور شامل لنظام الرعاية الصحية، بدعم من المجتمع الدولي، حصول المجتمع بأكمله على خدمات صحية أساسية تتمتع بالمساواة والتطوير.
نظام رعاية صحية شامل: يتطلب تحسين الرعاية الصحية للاجئين والفئات الأكثر ضعفًا وتأثرًا استجابةً متعددة القطاعات، تشمل زيادة فرص العمل لتمكين اللاجئين من الاعتماد على أنفسهم حتى من حيث الرعاية الطبية، الأمر الذي يُطلق العنان لقدراتهم على الازدهار والمساهمة الفاعلة في المجتمع. ويُخفف ما سبق العبء المالي على الحكومات فيما يتعلق بالإنفاق الصحي على نحو جزئي، كما سيُحسّن من جودة الرعاية الصحية، مع الحفاظ على الوقاية من الأمراض المعدية، والسيطرة عليها وكبح وتفشيها على نحو أفضل.
مبادرات التوعية ودعم المجتمع: يلعب المجتمع المدني دورًا محوريًا في بناء شبكات الرعاية الصحية وحل العوائق التي تعرقل الوصول إليها، وتعد مناصرة إدماج اللاجئين والمساءلة القائمة على البيانات في قطاع الصحة أمرًا بالغ الأهمية. ومن جهتها، تؤكد منظمة الصحة العالمية على مدى حاجة الصحة العامة إلى جهود مجتمعية منظمة لتعزيز الصحة وحمايتها.
تعزيز أواصر التعاون: تُعد الشراكة بين الحكومات، والجهات المانحة الدولية، واللاجئين والمجتمعات المحلية، أمرًا أساسيًا في حماية الموارد والأموال والقدرات اللازمة لبناء قدرة البلاد على الصمود في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، لذا، يكفل تعزيز الصحة في البلدان المضيفة حصول اللاجئين والمجتمع المحلي في آن معًا على خدمات صحية أساسية متساوية ومطورة، الأمر الذي يجعل الصحة أداةً تحقق التنمية الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية المستدامة.
[1] https://betterworldcampaign.org/blog/ocha-the-un-agency-coordinating-humanitarian-assistance#:~:text=300%20Million%20People%20Worldwide%20Need,Front%20Lines%20%2D%20Better%20World%20Campaign
[2] قمة الصحة العالمية 2023 Humanitarian health in war and conflict
[3] https://www.albankaldawli.org/ar/country/jordan/overview