المدونات والمقالات

الحد الأدنى للأجور، الفجوة القصوى: محدودية سياسات الأجور في المنطقة العربية

د. ماريا ديل مار لوجرونو
الدكتورة ماريا ديل مار لوجرونو ناربونا (حاصلة على الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، 2007)، وهي مستشارة أولى في منظمة النهضة العربية للديمقر…

بينما يحتفل العالم بيوم العمال العالمي، تواجه المنطقة العربية سؤالًا ملحًا: كيف تحدث سياسات الحد الأدنى للأجور أثرًا فعليًا لدى العاملين الذين يُفترض بها أن تحميهم، في اقتصادات يغلب عليها الطابع غير الرسمي؟

في دول مثل مصر، والمغرب، وتونس، ولبنان والأردن، يشكّل يوم العمال مناسبة لا تُكرّم فيها نضالات الحركات العمالية فحسب، بل إن هذا اليوم أيضًا هو يوم مواجهة الفجوات المستمرة في العدالة الاقتصادية. ومن أبرز هذه الفجوات تلك التي تفصل بين ما تنص عليه سياسات الحد الأدنى للأجور، وواقع العاملين في القطاع غير الرسمي.

في هذه السياقات، يشكّل العمل غير الرسمي الجزء الأكبر من النشاط الاقتصادي، إذ غالبًا ما يفتقر العاملون فيه إلى عقود عمل رسمية، ولا يحصلون على تغطية الضمان الاجتماعي، أو على الحد الأدنى من الحماية القانونية حتى، بينما تعتمد المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر -والتي تُشكّل العمود الفقري للعديد من الاقتصادات العربية- على هذا النمط من التشغيل، لا نتيجة الإهمال أو النية السيئة بالضرورة، بل جراء تحديات هيكلية أخرى من مثل ارتفاع التكاليف التشغيلية، وضيق هوامش الربح، وضعف آليات الرقابة والتنفيذ.

وعلى الرغم من تقديم رفع الحد الأدنى للأجور في معظم الأحيان بوصفه أداة لمكافحة الفقر وتحقيق العدالة، إلا أن الواقع يُظهر أن هذه السياسات كثيرًا ما تخفق في تحقيق أهدافها. فقد أظهرت دراسات دولية، من بينها دراسة أجراها صندوق النقد الدولي حول البرازيل، أن زيادة الأجور قد تسهم في الحد من التفاوت داخل القطاع الرسمي، لكنها قد تؤدي في الوقت نفسه إلى تعميق التفاوت العام، ذلك أنها تدفع العاملين من ذوي المهارات المتدنية والمؤسسات الصغيرة نحو القطاع غير الرسمي على نحو أعمق، حيث تغيب الرقابة وتُهدر الحقوق.

ويُعد الأردن مثالًا بارزًا على هذا الواقع. ففي أواخر عام 2024، أعلنت الحكومة عن رفع الحد الأدنى للأجور من 260 إلى 290 دينارًا أردنيًا (نحو 408 دولارات أمريكية)، على أن يدخل القرار حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2025. وقد جاء ذلك استجابةً للضغوط الشعبية الناجمة عن ارتفاع تكاليف المعيشة والجمود في الأجور الحقيقية. وعلى الرغم من تقديم القرار على أنه خطوة نحو العدالة العمالية، إلا أنه واجه انتقادات مفادها أنه لا يلبّي الحد الأدنى من احتياجات العاملين.

لكن ما غاب إلى حد ملحوظ عن النقاش العام، هو الطريقة التي ستنعكس بها هذه السياسة على سوق عمل يغلب عليه طابع العمل غير الرسمي، فقد أظهرت أبحاث ميدانية أجراها مركز النهضة الإستراتيجي في عدة قطاعات ومحافظات أردنية، أن غالبية العاملين، وخصوصًا في المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، يتقاضون أجورًا تقل عن الحد الأدنى الجديد أو تساويه، وذلك دون وجود عقود رسمية تثبت هذا الأجر أو تسجيلهم في الضمان الاجتماعي، إذ يتقاضى معظمهم أجره نقدًا، دون حماية أو ملاذ قانوني عند الحاجة.

وهؤلاء العاملون ليسوا حالات استثنائية، بل يُمثّلون شريحة واسعة من القوى العاملة في الأردن والمنطقة عمومًا، كما يُبيّن هذا الواقع أن سياسات الحد الأدنى للأجور وحدها غير كافية.

إذا ما أرادت الدول العربية تحويل قرارات رفع الحد الأدنى للأجور إلى تحسينات ملموسة في حياة العاملين، فلا بد من اتباع نهج هيكلي أوسع يشمل ما يلي:

  • تعزيز تطبيق قوانين العمل من خلال أنظمة متابعة ورصد فعالة.
  • توسيع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل العاملين في القطاع غير الرسمي.
  • تقديم حوافز للمؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر لتبني مسارات التوظيف الرسمية.
  • دعم نمو هذه المؤسسات عبر تسهيل الوصول إلى الأسواق والتمويل، الأمر الذي يسهم في تنشيط الاقتصادات المحلية، وتسهيل الانتقال نحو القطاعات الرسمية.

قد يكون رفع الحد الأدنى للأجور خطوة سياسية مهمة، غير أن التقدّم الحقيقي يبدأ عندما يلتفت صناع القرار لأهمية شمول العاملين في القطاع غير الرسمي في سياسات العمل، وأخذهم في الاعتبار عند صياغتها وتنفيذها.