في أحلك لحظات تاريخنا، نُحيي ذكرى النكبة ونكرّم ضحاياها –ولا نعني بذلك من سقطوا في عام 1948 فحسب، بل كل من قضى جراء استمرار النكبة حتى يومنا هذا، أي بسبب الإبادة الجماعية في غزة وحتى الفظائع المرتكبة في الضفة الغربية ولبنان.
وفيما نُحيي صمود الناجين من النكبة في غزة، والقدس، والضفة الغربية، وفي كل مكان، بمن فيهم ملايين اللاجئين الفلسطينيين وعشرات الآلاف من الأسرى في السجون الإسرائيلية، نوجّه تحية تقدير أيضًا لـثلاثين ألف موظف في الأونروا -غالبيتهم من الفلسطينيين- وإلى جميع العاملين في المجال الإنساني ممن خاطروا بحياتهم لخدمة أبناء شعبهم وسط أقسى الظروف.
كما نتضامن مع كل من يقف إلى جانب فلسطين حول العالم، وهم الذين يعانون اليوم من ملاحقتهم لمجرد أنهم اختاروا التصريح بالحقائق ورفض الإبادة، ومواصلة النضال من أجل العدالة والحرية.
تحل ذكرى النكبة هذا العام، وهي مرور 77 عامًا على تطهير فلسطين عرقيًا، وأهل غزة يواجهون مجاعة حقيقية، يعاني فيها الأطفال دون سن الثانية، والأمهات المرضعات، من سوء التغذية. أما المستشفيات، فخلت من وحدات الدم، واستنفدت الوكالات الإنسانية مخزونها من المؤن والمساعدات، بينما تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى تفكيك نظام توزيع المساعدات التابع للأمم المتحدة.
وعلى صعيد آخر، بدأ عدد الوفيات الناتجة عن الجوع في الارتفاع، ويُتوقع أن تتفاقم على نحو خطير في حال استمرار هذه الظروف.
ليست هذه المجاعة قضاءً وقدرًا، وإنما هي نتيجة مباشرة عن حصار تفرضه دولة الاحتلال الإسرائيلي، يمنع من خلاله دخول الغذاء والماء والوقود والدواء والكهرباء، وذلك منذ قرارها الأحادي بإنهاء وقف إطلاق النار مع حماس في 2 آذار/مارس 2025. يستخدم الاحتلال التجويع كسلاح حرب، مستندًا في فعله هذا إلى تواطؤ معظم القادة السياسيين في الغرب وصمتهم، في تحدٍ واضح وصريح لقرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
وما هذه المجاعة المصطنعة إلا جزءٌ من حرب إبادة تشنها إسرائيل على غزة منذ 19 شهرًا، أدّت إلى مقتل أكثر من 53 ألف فلسطيني، فيما ما يزال الكثير من الأشخاص تحت الأنقاض، كما أُصيب عشرات الآلاف من السكان، ودُمّر معظم القطاع من مساكن وبنية تحتية، وفرضت عليه الحرب ظروفًا حياتية تهدّد ما تبقّى من سكانه.
وفي الضفة الغربية، تصاعدت وتيرة العنف العسكري وعنف المستوطنين على نحو لا مثيل له قبلًا، ما أدى إلى موجة تهجير قسري جديدة. في تصعيد خطير آخر، قرر مجلس الوزراء الإسرائيلي تولي السيطرة الكاملة على تسجيل الأراضي في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، والتي تشكل نحو 60% من الأراضي المحتلة وتضم الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، فيما يمثل خطوة خطيرة نحو الضم الفعلي للمنطقة، ويُعد تهديدًا مباشرًا لما تبقى من فرص لإقامة دولة فلسطينية، ويُعمّق المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي على حساب أصحاب الأرض الأصليين.
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، شكّلت الهجمات الإسرائيلية على الأونروا عنصرًا أساسيًا في هذه الحرب، وصحيح أن دولة الاحتلال الإسرائيلي سمحت في بداية احتلالها الأراضي الفلسطينية للوكالة بمواصلة عملها، إلا أن العلاقة بينهما بقيت مشوبة بالتوتر على الدوام. ومع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على الأونروا بالتدريج، فمن الظاهر أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتّبع سياسة واضحة تهدف منها إلى تفكيكها بالكامل-ولا ينحصر هذا المسعى بالأراضي الفلسطينية المحتلة، بل ينطبق على كل أماكن عمل الوكالة.
وتستند دولة الاحتلال الإسرائيلي في أفعالها هذه إلى مبررات مفادها اتهامات كاذبة تتعلق بـ”التحريض” أو “الإرهاب”، بينما الهدف الفعلي من ذلك هو طمس قضية اللاجئين الفلسطينيين، وذلك ضمن مشروعها الاستيطاني الاستعماري. كما يمثل القانون الجديد الذي أقرّه الكنيست مؤخرًا تصعيدًا خطيرًا، ومن المتوقع أن تكون له تبعات قانونية وسياسية وإنسانية ومالية جسيمة، على الرغم من مواصلة الأونروا عملها حتى الآن. تهدد هذه الهجمات التي تحظى بدعم من حلفاء إسرائيل في الولايات المتحدة، وجود الوكالة ذاتها، وتهدد معها حقّ ملايين اللاجئين في الوصول إلى التعليم والصحة والحصول على المساعدة اللازمة.
ندعو العالم إلى كسر الصمت.
وندعو كل صاحب ضمير إلى أن يفعل ما بوسعه: سواء أكان ذلك بالكلمة، أو الاحتجاج، أو رفع الوعي، أو الملاحقة القانونية، أو الضغط السياسي، أو حتى بمجرد مشاركة شهادة على ما يحدث.
معًا يمكننا إيقاف هذه النكبة المستمرة، بجميع أشكالها، ومعًا نستطيع أن نُحدث فرقًا.