يحلّ اليوم العالمي للاجئين هذا العام في لحظة خطيرة تشهد تصعيدًا غير مسبوق ومخاطر متزايدة. فالمنطقة تقف على حافة صراع كارثي جديد بين إيران وإسرائيل، يهدد بحدوث موجات نزوح جماعي تفوق كل ما شهدناه من قبل. لم تعد طبول الحرب تدوي في غزة ولبنان وسوريا وحدها، بل باتت تهز أركان الدول المجاورة وحتى الدول البعيدة. ومع كل صاروخ يُطلق، وكل حدود تخترقها آلات العنف، تتزايد أعداد اللاجئين بلا هوادة. فالحروب هي التي تصنع اللاجئين، ونحن اليوم نقف على أعتاب أزمة إنسانية قد تغيّر وجه هذا العالم.
وعليه، يطلق ملتقى الهجرة واللجوء في العالم العربي (مرفأ) نداءً عاجلًا للحراك والعمل. ففي ظل اشتعال الصراعات وتفاقمها في مختلف أنحاء المنطقة العربية، تتزايد أعداد النازحين قسرًا، ليس بسبب القصف والرصاص فحسب، بل أيضًا نتيجة لانهيار الحلول السياسية، وانهيار منظومات الحماية الدولية، وعجز القوى الكبرى عن تحقيق العدالة.
من القصف المتواصل على غزة إلى تفكك السودان، ومن جبهات الحرب في اليمن وسوريا إلى الضغوط المتصاعدة في لبنان والأردن، تقف المنطقة عند نقطة الانفجار. فالمجتمعات التي حملت على عاتقها عبء حماية اللاجئين لسنوات طويلة، رغم شحّ الموارد وتراجع الدعم، تُطالب اليوم بأن تستعد لموجة جديدة من النزوح قد تكون الأكبر حتى الآن.
إن ما نشهده من عنف ليس تصعيدًا عابرًا، بل هو نتيجة عقود من الإفلات من العقاب، واستغلال الصراعات لتحقيق مصالح سياسية، والاستهانة بأرواح البشر. لقد صار استهداف المدنيين، فعسكرة الحصار، والإبادة البطيئة لشعوب بأكملها، كما نرى بوضوح في غزة، أمرًا معتادًا، بينما تغيب المساءلة تمامًا. ومع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، فإن اندلاع حرب إقليمية جديدة قد يطلق موجات نزوح هائلة تنهك الدول الهشة، وتزعزع استقرار المجتمعات، وتمتد آثارها إلى حوض المتوسط وما بعده.
فلنكن واضحين لم يكتف المجتمع الدولي بعدم الاستجابة، بل ساهم في خلق الظروف التي تدفع إلى النزوح. فاللاجئون ليسوا نتيجة عرضية للحروب، بل هم الوجه الإنساني لفشل الدبلوماسية، والتجاهل المتكرر للتحذيرات، والتخلي عن مساعي السلام.
ورغم هذا الواقع القاتم، ما زالت المجتمعات المحلية ( من عائلات وجيران ومدارس وعيادات) تتحمل عبء صون كرامة اللاجئين وتوفير الحماية لهم. إن تضامنها بطولي، ولكنه ليس بلا حدود. فلا يمكن أن تكون بديلاً عن التحرك الدولي، ولا يجوز تركها وحدها لمواجهة نتائج حروب لم تشعلها، وأزمات لم تتسبب بها.
يدعو ملتقى الهجرة واللجوء في العالم العربي (مرفأ) المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل وحاسم: أوقفوا الحروب، احموا المدنيين، أوقفوا النزوح القسري، وادعموا المجتمعات المضيفة بما تحتاج إليه من موارد وأدوات ودعم سياسي، ليس فقط لتجاوز الأزمة القادمة، بل لبناء مستقبل عادل وشامل. ويتطلب ذلك استثمارًا حقيقيًا في البنى التحتية، والحماية القانونية، وتعزيز التماسك الاجتماعي، كما يتطلب إنهاء الاحتلال والإقصاء والعنف، وهي الجذور الحقيقية للنزوح.
في هذا اليوم العالمي للاجئين، لا مجال للكلمات المحايدة. فهذا ليس وقت التأمل، بل وقت دق ناقوس الخطر. إن خطر اندلاع حرب إقليمية جديدة وما قد ينجم عنها من موجات نزوح تمتد من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا وأوروبا، خطر حقيقي وقريب.
نناشد الحكومات، والمؤسسات الدولية، والمجتمع المدني، وكل الأفراد المعنيين:
تحركوا الآن، وارفعوا أصواتكم، واستثمروا في السلام لا في المساعدات وحدها، وانظروا إلى النزوح ليس كعارض من أعراض الحروب والصراعات، بل كإنذار حقيقي لما هو أسوء.
فاللاجئون ليسوا أزمات تُدار، بل أرواح يجب حمايتها. وهذه الحماية تبدأ بالإرادة السياسية.
إن مستقبل شعوب المنطقة، ومستقبل إنسانيتنا المشتركة، مرهون بما نختار أن نفعله الآن.