في إطار جهودها لفهم التحولات في خارطة المساعدات الدولية وتفكيك علاقات القوة غير المتكافئة التي تحكم هذا القطاع، عقدت وحدة دراسات المرأة في مركز النهضة الاستراتيجي التابع لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ندوة رقمية بعنوان “وجهات نظر نسوية حول رفع الهيمنة عن قطاع المساعدات”، بمشاركة نخبة من الأكاديميات والخبراء في الشأن التنموي والاجتماعي من مختلف الدول العربية.
وشارك في الندوة التي أقيمت في 15 تموز/يوليو 2025، وقدمتها وأدارتها د. سناء جلاصي، مستشارة برامج المرأة والشباب في مركز النهضة الاستراتيجي، كل من: رياض الزغل من تونس، خبيرة العلوم الإدارية وعلم الاجتماع، ود. دينا طه من مصر، أستاذة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا.
وأكدت جلاصي أن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة حوارات سياسية تنطلق عقب الطاولة المستديرة التي عقدتها منظمة النهضة (أرض) بعنوان “تقييم تأثير تجميد المساعدات الأمريكية على منظمات المجتمع المدني والحركة النسائية في الأردن”، والتي كشفت عن الأثر العميق للتخفيضات المفاجئة في التمويل على تفاقم أوجه عدم المساواة، مشددة على أهمية تطوير مقاربات نسوية محلية القيادة تعيد الاعتبار لأولويات المجتمعات في الجنوب العالمي.
وأوضحت جلاصي أن هذه اللقاءات تشكل جزءًا من مسار استراتيجي لمركز النهضة يستهدف تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية عبر أدوات تحليل نسوية ناقدة، داعية إلى تفعيل الحوار الإقليمي وربط النضالات النسوية بالأجندات التنموية المستقلة والعادلة.
من جهتها، قدمت الخبيرة الزغل قراءة نقدية لمفهوم المساعدات، مبينة أن “المساعدات ليست دائما عطاءً إنسانياً، بل ترتبط غالباً بشروط سياسية واقتصادية تثقل كاهل الدول المتلقية وتزيد من مديونيتها”. واستعرضت الزغل تجارب من كينيا والنيجر وتونس تُظهر كيف يمكن للنساء، عبر المبادرات المحلية، إعادة تشكيل الأطر الاقتصادية والتنموية، داعية إلى تمكين النساء اقتصادياً كأداة لمناهضة العنف الاقتصادي وتحقيق الاستقلالية والتنمية المستدامة.
أما الدكتورة دينا طه، فقد ربطت بين النسوية ومناهضة الاستعمار، مؤكدة أن أي خطاب نسوي لا يشتبك مع أسئلة الاستعمار وإرثه في قطاع المساعدات يبقى ناقصاً. وأشارت إلى أن أنماط المساعدات الحالية كثيراً ما تفرض على المجتمعات من دون إشراك فعلي للنساء في صياغتها أو إدارتها، ما يجعلها في حالات عديدة جزءاً من منظومة استغلالية تحت غطاء إنساني. وأضافت: “العنف لا يكون فقط بالقصف، بل أيضاً بالاستغلال الممنهج في أنظمة المساعدات”.
فيما شهدت الندوة تفاعلاً لافتاً من المشاركات، حيث شددن على أن نظم المساعدات لا تعكس واقع النساء واحتياجاتهن الحقيقية، وأنه لا بد من منحهن الدور الكامل في اتخاذ القرار وقيادة التحول التنموي على المستوى المحلي. ودعن إلى إعادة النظر في نماذج العمل الإنساني القائمة على الهيمنة والتبعية، وتعزيز الثقة والعلاقات التشاركية مع الفاعلين المحليين، والاستثمار في الابتكار البحثي والمفاهيمي لفهم الواقع من منظور نسوي تحرري، فضلاً عن تحميل الجهات المانحة المسؤولية عند تنفيذ برامج لا تنسجم مع أولويات المجتمعات.
ختاماً؛ تؤسس هذه الندوة لحوار أوسع حول ضرورة “رفع الهيمنة عن قطاع المساعدات”، والانتقال من منطق المنح إلى منطق التضامن والتشاركية. كما تسلط الضوء على أهمية قراءة التغيرات الجيوسياسية من منظور الجنوب العالمي، خاصة في ظل الأزمات المتكررة وتمدد النفوذ السياسي المرتبط بالمساعدات.