في ظل التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجه الشباب في الأردن والمنطقة العربية، تبرز أهمية تعزيز القيادة الشبابية والمشاركة المدنية بوصفها أدوات جوهرية لبناء مجتمعات أكثر عدلاً واستدامة.
وفي هذا السياق، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ضمن برنامج “هي تقود”، لقاءً حواريًا إقليميًا بعنوان: “القيادة الشبابية والمشاركة المدنية: كيف يمكن تفعيلها؟”، يوم الأربعاء الموافق 30 تموز/يوليو 2025، بمشاركة مجموعة من الناشطات والناشطين من الأردن ومصر، وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني، ناقشوا خلاله سبل تفعيل أدوار الشباب، خاصة النساء، في الحياة العامة.
ويأتي هذا اللقاء في ظل الزخم المتزايد في المنطقة نحو تعزيز مشاركة الشابات في الحياة العامة، وفي ظل التغيرات التشريعية التي شهدتها بعض الدول مثل تخفيض سن الترشح للانتخابات المحلية في الأردن، والتوسع في المساحات المدنية في مصر، بما يعكس الاهتمام المتزايد بتعزيز صوت الشباب وتمكينهم. كما سلط اللقاء الضوء على نتائج الأبحاث والدراسات التي أجرتها وحدة دراسات المرأة في مركز النهضة الاستراتيجي التابع لمنظمة النهضة العربية (أرض) حول القيادة الشبابية، والعوامل الداعمة والمعيقة لمشاركة الشباب والفتيات في العمل المدني.
من جانبها، أكدت لينا هلسة مديرة مشروع “هي تقود”، أن الشراكات المحلية والإقليمية تلعب دورًا محوريًا في تعزيز العمل الميداني والمناصرة، مشيرة إلى أهمية تبادل التجارب بين الشابات في الأردن ومصر، مع التنبيه على أهمية خلق بيئة تمكينية للفتيات والشابات من خلال الشراكة الفاعلة مع مؤسسات المجتمع المحلي. وأشارت إلى الأثر الذي أحدثه المشروع في بناء قدرات الشابات، وتطوير مهاراتهن في القيادة والمناصرة، وتعزيز حضورهن في مساحات صنع القرار.
ومن خلال مشاركتهن الشخصية، تحدثت سالي وسندس صالح عن رحلتهن مع “هي تقود”، إذ اعتبرتا أن التحديات والعوائق مثلت فرصًا للنمو، وأشارتا إلى أن النجاح لا يأتي دون مثابرة وإصرار، وأنهن أصبحن مدربات وفاعلات في العديد من القضايا المجتمعية.
ومن مصر، قالت منة نبيل إن مشاركتها في البرنامج فتحت أمامها أفقًا جديدًا في التفكير والتفاعل مع القضايا المجتمعية، ما عزّز من قدرتها على التعبير والقيادة.
من جهته، شدّد مدير مركز الثريا للدراسات، د. محمد الجرابيع، على أن المشاركة المدنية هي حجر الأساس في القيادة المجتمعية، موضحاً أن للمشاركة أشكالًا متعددة كالأحزاب، والنقابات، والعمل التطوعي. وأشار إلى أن الدولة الأردنية دعت خلال العقود الماضية إلى تعزيز مشاركة الشباب في العمل المدني والسياسي، غير أنه أكد على ضرورة تطوير الخطاب والمقاربات لتفعيل هذه المشاركة فعليًا.
كما شاركت ممثلات من تجمع لجان المرأة الوطني الأردني في الحوار، فعرضن تجربة برنامج “هي تقود” في تعزيز مشاركة النساء السياسية والحقوقية من خلال عقد مجموعة من الجلسات التفاعلية والحوارية.
وبشأن دور المعلمين والمعلمات في بناء قدرات الشباب، بينت الخبيرة في الشأن التعليمي، د. أسيل الشوارب، أن للمعلمين دورًا محوريًا في تعزيز التفكير النقدي والمهارات الحياتية لدى الطلبة، وأن تمكينهم وتطوير قدراتهم ينعكس مباشرة على جودة التعليم ومخرجاته، ويساهم في إعداد جيل واعٍ قادر على المشاركة الفاعلة في مجتمعه.
فيما ركزت الأستاذ المشارك في مركز دراسات المرأة بالجامعة الأردنية، د. أماني السرحان، على دور العائلة باعتبارها “المدرسة الأولى” التي تؤثر على تشكيل القيم والهويات الاجتماعية عند الشباب، مضيفة أن على العائلات أن تلعب دورًا محفزًا لا معيقًا في عملية التغيير هذه.
وفي محور المساحات الآمنة والمبادرات المجتمعية المبتكرة، تحدث الدكتور سامي الحوراني عن مبادرة “ديوانية”، وهي مساحة حوار مجتمعي مفتوحة تهدف إلى خلق فضاءات نقاش عامة تتيح التفاعل المباشر بين الشباب وصناع القرار ضمن بيئات مناظرة علنية عامة، مؤكدًا أن توفير هذه المساحات يعد عنصرًا جوهريًا في دعم مشاركة الشباب وتمكينهم في مختلف المجالات، إذ ليست هذه المساحات مجرد أماكن فعلية أو افتراضية، بل بيئات تتيح الحرية للشباب التعبير عن آرائهم، والمشاركة في التأثير على صنع القرارات.
ختامًا، أوصى المشاركون بضرورة إنتاج قيادات شابة ونسائية جديدة تتمتع بالقدرة على الابتكار ومواكبة التغيير، وبناء برامج تفاعلية تستند إلى احتياجات الشباب الحقيقية وتطلعاتهم، مع تعزيز الوعي المجتمعي بقيمة المشاركة المدنية والسياسية، وخلق مساحات آمنة وحاضنة تمكّن الشباب والنساء من التعبير والمشاركة، وصولًا إلى التركيز على الفضاء العام بوصفه منصة للتفاعل والتأثير المجتمعي.