على الرغم من الاختلافات الكبيرة في الجغرافيا وحجم السكان والمسارات السياسية، يكشف الواقع المعيشي للشابات في مصر والأردن عن قاسم مشترك ملفت وهو التأثير الدائم للهياكل والبنى العائلية التي تشكلها الأعراف الثقافية المتجذرة، والتفسيرات الدينية والصعوبات الاقتصادية المتزايدة على حياتهن. وسواء في القاهرة أو عمّان، تظل العائلات الحارس الحامي وأيضا الممكّن لمشاركة المرأة في الحياة العامة.
يبحث موجز السياسات هذا في طرق تشكيل ديناميكيات الأسرة المتطورة -وخاصة أدوار الآباء والأقارب الذكور- من أجل وصول الشابات إلى سدّة القيادة في كلا البلدين. كما يستند إلى رؤى من المشاورات الثنائية مع خبراء العلوم الاجتماعية والنسوية والقيادة التي عقدتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بين شهري نيسان/أبريل وحزيران/يونيو 2025 في إطار برنامج “هي تقود”. تعكس هذه المشاورات إدراكًا متزايدًا مفاده أن تحقيق العدالة بين الجنسين في العالم العربي لا يكون دون إعادة النظر في كيفية فهم الأسرة والرعاية الأبوية إضافة إلى ممارستهما.
ثمة مفارقة جوهرية في صميم هذا الموجز: فبينما تدخل الشابات إلى مجالات التعليم والمهن بأعداد غير مسبوقة، ما تزال ديناميكيات المساحة الخاصة تقيد مساراتهن القيادية. فغالبًا ما تخضع هذه المسارات داخل الأسرة للتفاوض أو السيطرة على القرارات المتعلقة باستقلالية النساء، وقدرتهن على التنقل والتعبير عن الذات. ويمكن للمنطق الديني والثقافي والاقتصادي نفسه الذي يحصر النساء في المجال المنزلي أن يُتيح فرصًا تسمح كذلك بإعادة التفاوض على أدوار الرجال، محولًا إياهم من مُنظِّمين إلى حلفاء، ومن مُعيلين سلبيين إلى مُناصرين فاعلين لطموحات الفتيات.
في كلٍّ من مصر والأردن، شهد العقدان الماضيان تحولات تدريجية، وإن كانت متفاوتة، في هذه الأدوار. إذ يزيد تقديم الآباء والإخوة الذكور الدعم العاطفي والتشجيع المعنوي، بل وحتى الإرشاد والتوجيه، وهي التغيرات التي غالبًا ما تُشكّلها عوامل التعليم، أو النزوح، أو التعرض للخطابات القائمة على الفروقات بين الجنسين من تلك الرقمية والأخرى العابرة للحدود. وأصبحت المنصات الرقمية، على وجه الخصوص، ساحاتٍ تُتحدى فيها الأعراف القائمة على الفروقات بين الجنسين إلى جانب تعزيزها كذلك، ما يوفر مساحاتٍ للنقاش وإعادة البناء.
ويُحدد موجز السياسات هذا الممارسات الواعدة والتحديات والفرص لإعادة صياغة الأبوة بوصفها محركًا للتحول في سياسات العدالة بين الجنسين، مستفيدةً من الاستمرارية الثقافية في تعزيز المساواة. ورغم اختلاف السياقات الاجتماعية والسياسية في مصر والأردن، إلا أن صراعاتهما القائمة على الفروقات بين الجنسين مترابطة بعمق. ويسعى المجتمعان جاهدين إلى مواءمة الأدوار الأسرية التقليدية مع التطلعات الحديثة، ومن شأن هذا التكيف -إذا ما أُدير على نحو استراتيجي- أن يُطلق العنان للإمكانات القيادية لجيل جديد من الشابات.
تستند التوصيات التالية إلى الأسس الثقافية القائمة، مستفيدةً من نماذج مشاركات الذكور الإيجابية وأطر العمل الأسرية المراعية للفوارق الاجتماعية بين الجنسين. وتقدم هذه التوصيات خارطة طريق للمؤسسات، والمجتمع المدني والجهات الفاعلة في مجال التنمية من تلك الملتزمة بتعزيز المساواة بين الجنسين في القيادة، وتحويل الأسرة لا باعتبارها عائقًا ينبغي تجاوزه، بل شريكًا في التغيير.
إن موجز السياسات هذا جزء من مشروع “هي تقود”، وهو مشروع مشترك بين منظمة بلان إنترناشونال الهولندية، ومنظمة الدفاع عن الأطفال الدولية –منظمة إكبات الدولية هولندا (DCI-ECPAT)، والشبكة النسائية الأفريقية للتنمية والاتصالات (FEMNET)، ومنظمة أرض البشر هولندا (TdH-NL)، ويستهدف المعايير القائمة على الفروقات بين الجنسين في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في شرق أفريقيا وغربها والشرق الأوسط. وبصفتها شريكًا منفذًا إقليميًا لمنظمة أرض البشر هولندا، تعمل منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) على زيادة التأثير المستدام للفتيات والشابات في عمليات صنع القرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.