المدونات والمقالات

اليوم الدولي للسلام: جرح مفتوح يعكس معاناة اليمن

بقلم آية جلال

يُصادف 21 أيلول/سبتمبر من كل عام اليوم الدولي للسلام، وهو اليوم الذي أقرّته الأمم المتحدة لتعزيز السلام ونبذ العنف. إلا أنّ التاريخ نفسه من عام 2014، شهد انطلاق الصراع الدموي فيي اليمن، لتبدأ التحديات العميقة أمام تحقيق السلام في عالم مثقل بالنزاعات بالظهور. وبعد عشرة أعوام من الحرب، أصبح اليمن بلدًا يزداد فقرًا، حيث يحتاج أكثر من نصف السكان فيه إلى مساعدات إنسانية. وبسبب النزاع والكوارث الطبيعية المرتبطة بتغيّر المناخ، يفتقر الناس إلى الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية والمساكن الآمنة والتعليم وخدمات الحماية وسبل العيش.

حاليًا، يشهد اليمن أزمة مطوّلة ستستمر في التأثير على السكان لسنوات قادمة. إذ يعيش نحو 80  %من السكان تحت خط الفقر. وقد فاقم تداخل النزاع مع تغيّر المناخ الوضع، وحرَم السكان من الموارد الأساسية. يقترب النظام الصحي من الانهيار، إذ إن حوالي %40  من المرافق الصحية غير عاملة أو تعمل بقدرة محدودة للغاية بسبب النقص الحاد في الكوادر والتمويل والإمدادات الأساسية. كما أنّ خدمات الصحة الإنجابية غير الكافية تجعل اليمن من أخطر الأماكن على الأمهات، ما يسهم في أحد أعلى معدلات وفيات الأمهات في المنطقة.

يزيد تغيّر المناخ من تعقيد المشهد الإنساني الكارثي في اليمن. وباعتباره واحدًا من أكثر البلدان عرضة لتغيّر المناخ، فإن اليمن غير مهيأ لمواجهة هذه التحديات. فقد أثرت الفيضانات الكارثية والجفاف المستمر وزحف التصحر في عام 2024 على 1.3 مليون شخص، بزيادة تفوق 60  % مقارنة بالعام السابق، وتسببت في أكثر من 480  ألف حالة نزوح و427  حالة وفاة. ومن المتوقع أن تتفاقم الخسائر الكبيرة في الأرواح وسبل العيش الناجمة عن الكوارث المرتبطة بتغيّر المناخ في السنوات المقبلة.

علاوة على ذلك، أصبحت الطوارئ المرتبطة بالمناخ السبب الرئيس للنزوح الداخلي، كما أن التنافس على الموارد المائية الشحيحة أدى إلى نشوء صراعات محلية في مناطق مختلفة. حاليًا، هناك 4.8 مليون نازح داخلي بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كثير منهم تعرضوا للنزوح المتكرر، ويبحثون عن ملاذ في مخيمات مكتظة تفتقر إلى المأوى المناسب والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي. أكثر من 40 %من هذه المخيمات تفتقر إلى مراحيض أساسية، ما يضطر السكان إلى قضاء حاجاتهم في العراء، وهو ما يشكّل مخاطر صحية عامة كبيرة، خصوصًا على النساء والفتيات، ويسهم كذلك في أزمات صحية بيئية. وهذه المخيمات الهشة أصلًا تتعرض أيضًا لفيضانات شديدة تتسبب في أضرار جسيمة وخسائر في الأرواح. ويُعدّ نحو 1.6 مليون نازح داخلي يعيشون في هذه المخيمات من بين الفئات الأكثر ضعفًا في اليمن.

يُعاني اليمن أيضًا من أسوأ أزمات الغذاء في العالم. فالمستويات غير المسبوقة من انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية في البلاد تعود أساسًا إلى النزاع والأزمة الاقتصادية. وتواجه الأسر الضعيفة صعوبات في الحصول على الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع الدخل وفرص العمل. وهذا يؤثر سلبًا على أنظمتهم الغذائية ويجبرهم على تبني آليات سلبية للتكيّف، مثل بيع الأصول الإنتاجية لتغطية الاحتياجات الأساسية والاعتماد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية. أما القطاع الزراعي، الذي يعيل 70   %من السكان، فيواجه تهديدًا وجوديًا من تغيّر المناخ، ما يزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي. هذا العام، من المتوقع أن يواجه أكثر من 17 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، بينهم 5 ملايين على حافة المجاعة. والوضع مقلق بشكل خاص للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، اللواتي يتأثرن بشدة بسوء التغذية الحاد.

عقد من الحرب الأهلية دمّر البلاد، وأودى بحياة الآلاف وشرّد الملايين، ولا يزال يقوّض الخدمات الأساسية. لقد دمّر النزاع الخدمات الأساسية، وترك الملايين دون غذاء أو ماء أو رعاية صحية أو مأوى آمن، ما جعله واحدًا من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

ومع ذلك، فإن التراجع الكبير في المساعدات الإنسانية يزيد من تفاقم الأزمة. فقد شهدت خطة الاستجابة الإنسانية لليمن عجزًا كبيرًا في التمويل عام 2025، إذ لم يتجاوز التمويل %10  بحلول منتصف أيار/مايو. وقد أعاق ذلك بشكل كبير قدرة الوكالات المحلية والدولية على توفير الخدمات الأساسية. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كانت الولايات المتحدة أكبر مانح إنساني لليمن، إلى جانب مانحين آخرين مهمين مثل المملكة المتحدة، المفوضية الأوروبية، السعودية، وألمانيا. وحتى قبل تقليص المساعدات الأمريكية، كانت خطة الاستجابة الإنسانية تعاني من نقص مزمن في التمويل، إذ لم تحقق سوى 6.9٪ بحلول نيسان/أبريل 2025 (ReliefWeb).

التخفيضات غير المسبوقة في التمويل الأمريكي تهدد الجهود المبذولة لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات، وتقوّض حقوق عدد لا يُحصى من الأفراد الباحثين عن مأوى ومساعدة قانونية وأمان، بمن فيهم الناجون من العنف القائم على النوع الاجتماعي، المدافعات عن حقوق الإنسان، وأسر ضحايا الاختفاء القسري. وقد أعربوا عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه الخطوة إلى إضعاف سعيهم لتحقيق العدالة والمساءلة في اليمن، وربما تشجع مرتكبي الانتهاكات.

إضافة إلى ذلك، فإن استهداف العاملين في المجال الإنساني والموظفين الدوليين الذين يقدمون خدمات حيوية، إلى جانب الاعتقال التعسفي لموظفي الأمم المتحدة والعاملين المحليين، قد أوقف تقديم المساعدات للفئات السكانية الضعيفة.

ورغم هذه التحديات المعقدة والمتعددة الأبعاد، فإنني كيمني أتصور مستقبلًا يمكن أن يصبح فيه السلام حقيقة ملموسة. إن تحقيق السلام سيمنح اليمن واليمنيين فرصة للاستقرار والتعافي والتنمية الاقتصادية المستدامة، مما يمهّد الطريق لخلق فرص عمل، وتمكين الشباب والنساء، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

يتطلب تحقيق هذه الرؤية اتباع نهج شامل لبناء السلام، يكون جامعًا ومتعدد الجوانب وقائمًا على المجتمعات المحلية. ومن الضروري تمكين المجتمعات المحلية، وبذلك نُكرّم صمود وقدرات المؤسسات الوطنية والمدنية. ومن خلال مثل هذه الجهود فقط، يمكن لليمن أن ينهض من رماد الصراع، ليصبح أكثر قدرة على الصمود ويستعيد حقه في السلام وإعادة الإعمار.

المراجع:

  1. What is the United Nations International Day of Peace? — World Economic Forum. الرابط: https://www.weforum.org/stories/2025/09/united-nations-international-day-of-peace (World Economic Forum)
  2. United Nations in Yemen — موقع الأمم المتحدة لليمن. الرابط: https://yemen.un.org/en (The United Nations in Yemen)
  3. Yemen Humanitarian Fund — مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). الرابط: https://www.unocha.org/yemen-humanitarian-fund (UNOCHA)
  4. Yemen: The Impacts of Declining International Aid — تقرير عن تأثير خفض المساعدات الدولية على اليمن. الرابط: https://reliefweb.int/report/yemen/impacts-declining-international-aid-humanitarian-and-economic-situation-yemen (ReliefWeb)
  5. Yemen: Humanitarian Crisis Must Not Be Forgotten — ReliefWeb. الرابط: https://www.reliefweb.int/report/yemen/unga-80-yemens-humanitarian-crisis-must-not-be-forgotten-enar (ReliefWeb)
  6. Yemen Crisis Explained — UN Refugee Agency. الرابط: https://www.unrefugees.org/news/yemen-crisis-explained/ (UNHCR)
  7. UN Documents for Yemen — تقارير الأمم المتحدة حول اليمن. الرابط: https://www.securitycouncilreport.org/un-documents/yemen/ (Sicherheitsrat-Bericht)