خبر
برنامج القضية الفلسطينية

مبادرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للديمقراطية والتنمية (أرض–أوروبا): من الاعتراف الرمزي إلى العمل من أجل فلسطين

قد يتحول الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى مجرد إلهاء إذا لم يُتبع بخطوات عملية. فالإجراءات لرمزية لا يمكن أن تحلّ محل العمل الجدي من أجل فلسطين، لأن الاعتراف بدولة على الورق لا يعني شيئًا بينما يُدمَّر شعبها وتضمّ أراضيها باستمرار.

ترحب أرض – أوروبا بحرارة بازدياد عدد الدول الأوروبية التي اتخذت الخطوة التاريخية المتمثلة بالاعتراف بدولة فلسطين. فقد انضمت فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وأندورا وموناكو والبرتغال إلى السويد وإيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا في تأكيد سيادة فلسطين، إلى جانب المملكة المتحدة وكندا وأستراليا. ومع هذه الاعترافات، لم تعد أوروبا متفرجًا، بل أصبحت ساحة حاسمة في النضال لتحويل الاعتراف إلى عدالة ومساءلة وحق في تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

وفي الوقت الذي ترحب به أرض -أوروبا فيه بهذه الخطوات، تؤكد أن الاعتراف يجب أن يكون سياسة لا مجرد موقف؛ فهو يحمل التزامات ملموسة على الدول الثالثة، ويجب أن يقترن بإجراءات تحمي المدنيين، وتنهي الممارسات غير المشروعة، وتساهم في تحقيق العدالة والمساءلة، وتدعم القانون الدولي بشكل عام.

غير أن التوتر الأساسي يكمن هنا: أوروبا تتحرك، لكن الاتحاد الأوروبي ككل لا يتحرك. ففي حين تعترف أعداد متزايدة من أعضاء الاتحاد بفلسطين، ما زالت دول أخرى، منها ألمانيا وإيطاليا وهولندا والمجر، مترددة، مما يترك الاتحاد منقسمًا في لحظة حاسمة. ويعكس هذا التردد نمطًا أوسع: إذ غالبًا ما كان الاتحاد الأوروبي، كمؤسسة، يتصرف برد فعل بدلًا من الالتزام بالمبادئ، مكتفيًا بإدانات متأخرة ونداءات إنسانية قصيرة المدى في مواجهة العدوان الإبادي على غزة والتوسع الاستعماري المستمر في الضفة الغربية.

منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وغزة تتعرض للتطهير العرقي والتدمير على نطاق كارثي. وقد أكدت التدابير المؤقتة التي أصدرها محكمة العدل الدولية في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل (26 كانون الثاني/يناير، 28 آذار/مارس، 24 أيار/مايو 2024) وجود خطر معقول بارتكاب جريمة إبادة جماعية، وفرضت التزامات ملزمة على جميع الدول. كما عززت أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية (تشرين الثاني/نوفمبر 2024) مبدأ أن المساءلة لا يمكن تأجيلها.

لقد ضغطت الشعوب والمحاكم والبرلمانات الأوروبية على حكوماتها للتحرك. ومع ذلك، فإن هذه الخطوات، مثل الاعتراف الآن، لن تكون ذات معنى إلا إذا رُفعت إلى مستوى الاتحاد الأوروبي، بحيث تتحول الإجراءات المعزولة إلى سياسة أوروبية متماسكة للعدالة والمساءلة.

وفيما يخص الاستعمار، ورغم الأحكام القانونية الواضحة الصادرة عن أعلى محكمة في العالم، تأخر الاتحاد الأوروبي في اتخاذ تدابير حاسمة. فقد فشل في اعتماد حظر منسق على السلاح، وفي فرض حظر على منتجات المستوطنات واستثماراتها، وفي التنفيذ الكامل للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 19 تموز/يوليو 2024 وقبوله من الغالبية الساحقة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2024، والذي يلزم الدول بعدم الاعتراف أو المساعدة في ضم إسرائيل غير المشروع للأراضي الفلسطينية وغيرها من أفعالها غير المشروعة دوليًا. وحتى الآن لم يحظر الاتحاد الأوروبي تجارة المستوطنات، ولم يعلّق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل، ولم يوقف نقل الأسلحة والتكنولوجيا التي ترسخ الضم. هذا الفارق بين الاعتراف والمسؤولية يقوّض مصداقية أوروبا ويضعف أثر كلماتها.

إن الاعتراف بفلسطين، بالنسبة لأوروبا والاتحاد الأوروبي، في هذه اللحظة التي تشهد أسوأ إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين، هو اختبار لإرادة الدول في الدفاع عن المبادئ التي تعلنها: عالمية وشمول حقوق الإنسان، وسيادة القانون، ورفض الإفلات من العقاب. فإذا اقترن الاعتراف بسياسات وإجراءات ملموسة كالحظر والعقوبات وأدوات المساءلة الأخرى، إلى جانب دعم حقيقي للحكم الفلسطيني، يمكن لأوروبا أن تسهم في ترجيح كفة العدالة. أما إذا لم يحدث ذلك، فإن دورها على الساحة العالمية قد يتلاشى إلى العدم.

 


تمثل أرض -أوروبا إطارًا استراتيجيًا تقدميًا يهدف إلى تعميق الفهم وتعزيز التعاون بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.حيث تسهم في تناول التحديات الإقليمية والعالمية الملحة في سياق التحولات المجتمعية والجيوسياسية السريعة. تأسست أرض -أوروبا في بروكسل، بلجيكا عام 2024 من قبل النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وتسعى إلى بناء شراكات استراتيجية تدفع نحو الاستقرار  والتنمية المستدامة عبر هذه المناطق المترابطة.