بحسب منظمة كاميناندو فرونتيراس غير الحكومية، أصبح عام 2024 العام الأكثر دموية بالنسبة للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى جزر الكناري عبر المحيط الأطلسي، فقد لقي أكثر من10,400 شخص حتفهم أو اختفوا أثناء محاولتهم الوصول إلى الاتحاد الأوروبي عبر هذا الطريق.[1] تسعى هذه المدونة إلى استكشاف بعض السياسات التي في وسعها أن تضع حدًا لهذه الأزمة الإنسانية. في الواقع، بينما يتبنى الاتحاد الأوروبي سياسات إغلاق حدوده منذ سنوات، تؤيد إسبانيا والمجتمع المدني السنغالي في الأشهر الأخيرة أو تتبنى سياسات جديدة ذات قدرة على خلق مسارات أكثر أمانًا وإنسانية لهذه الهجرة. وعلى نحو أكثر تحديدًا، تركز المدونة على الهجرة الدائرية، وهي سياسة إسبانية تجند الأشخاص من أجل العمل في إسبانيا لفترة زمنية محدودة، إلى جانب التغيير في سياسات تأشيرة شنغن، وهو ما طالبت به العديد من المنظمات غير الحكومية السنغالية.
الهجرة الدائرية
الهجرة الدائرية سياسة حديثة العهد نسبيًا، أقرتها الحكومة الإسبانية بالتعاون مع شركائها في غرب إفريقيا، وتتمثل في منح تصاريح عمل داخل إسبانيا، لا سيما في القطاع الزراعي، لا تتجاوز مدتها 9 أشهر سنويًا، لعدد محدد من العمال.[2] أما خلال بقية العام، فيتلقى العمال الدعم المناسب للعودة إلى أوطانهم، “وذلك بالإضافة لما يمكن أن يعود به ذلك من فوائد تنموية على مجتمعاتهم”، وفقًا لما أفاد به وزير الضمان الاجتماعي والهجرة الإسباني، سايز.[3] وقد ظهرت الهجرة الدائرية إلى حيز الوجود بعد زيارة رئيس الوزراء الإسباني نظراءه السنغاليين والغامبيين والموريتانيين في نهاية آب/ أغسطس 2024. وقد أدت هذه الاجتماعات، التي هدفت إلى تعزيز التعاون الثنائي والإقليمي، إلى إضفاء الطابع الرسمي على ثلاث مذكرات تفاهم حددت شروط الهجرة الدائرية.[4]
وفي الوقت الذي تتمتع فيه هذه المبادرة بقدرتها على تمثيل بديل فعال لطرق الهجرة الأكثر خطورة، إلا أنها تعاني من محدودية نطاقها إلى حد كبير، كما أنها تعجز عن تلبية احتياجات معظم الأشخاص الساعين إلى الهجرة إلى أوروبا. في الواقع، في 27 كانون الثاني/يناير 2025، فتحت الحكومة السنغالية عملية التقديم لتوظيف 370 شخصًا من أجل المشاركة في الهجرة الدائرية، وفي غضون يومين فقط، تلقت المؤسسات السنغالية أكثر من 10 آلاف طلب.[5] ولا ينبغي أن تكون هذه المعلومات مفاجئة بالنظر إلى أن السنغال تعاني من معدلات بطالة مرتفعة للغاية، وصلت إلى 20% خلال الفصل الرابع من عام 2024.[6] لذلك، من الضروري أن تتمتع مبادرة الهجرة الدائرية بمزيد من الشمول كي تمثل حلاً ملموسًا للأزمة الإنسانية التي تواجهها منطقة الساحل اليوم.
في نهاية المطاف، صحيح أن الهجرة الدائرية تحظى باستحسان من العديد من المنظمات غير الحكومية، إلا أن بعض ممثلي المجتمع المدني السنغالي، مثل عبد الله ندياي، المتخصص في الهجرة وحقوق الإنسان، يخشون استغلال هذه المبادرة لإضفاء الشرعية على انتهاكات جسيمة تمس حقوق المهاجرين ومنع الكشف عنها.[7] وتُبرر هذه المخاوف اتّباع الحكومات، في جميع أنحاء العالم، استراتيجيات مختلفة لصرف انتباه الرأي العام عن سياساتها المناهضة للمهاجرين، والتي تشمل في الغالب تعزيز الدوريات على الحدود، ونقل إدارة حدودها إلى خارجها، والترحيل التعسفي، وجميعها إجراءات تُمثل في معظم الأحيان انتهاكًا لحقوق المهاجرين التي تكفلها اتفاقية جنيف.[8]
العشرات من المنظمات غير الحكومية السنغالية تدعو إلى تحسين سياسات تأشيرات الاتحاد الأوروبي
في السنغال، إحدى الدول التي تنطلق منها القوارب محاولة الوصول إلى إسبانيا، تُطالب عشرات المنظمات غير الحكومية بتغيير جذري في سياسات التأشيرات التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي في الدول الأفريقية.[9] في الواقع، ووفقًا لتقرير نشرته قناة فرانس 24، فقد رُفضت 70% من طلبات تأشيرة منطقة شنغن القادمة من الدول الأفريقية في عام 2023.[10]
ووفقًا لهذه المنظمات غير الحكومية، فغالبًا ما يكون هذا الرفض تعسفيًا لا يتبع البروتوكولات القانونية. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد هذه المنظمات أن عملية التقديم مكلفة ومعقدة جدّا بحيث يصعب على معظم سكان بلدان المغادرة الوصول إليها.[11] يؤكد رئيس منظمة “أوترا أفريكا” غير الحكومية، سليمان عليو ديالو، أنه “للحصول على اجتماع في السفارة الإيطالية اليوم، يتعين عليك دفع 500 ألف فرنك أفريقي (837 دولارًا أمريكيًا) وهذه كلفة تقديم المستندات فقط”.[12] هذا المبلغ بعيد المنال في بلد مثل السنغال على وجه الخصوص، حيث بلغ متوسط الراتب الشهري 96206 فرنك أفريقي أو 161 دولارًا أمريكيًا في عام 2017، وفقًا للوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا.[13] ولهذا السبب، يضيف ديالو أنه “لو جرى احترام الاتفاقيات، لما حدثت هذه الأزمة”. وعلاوة على ذلك، فإنه يحث، بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية السنغالية الأخرى وممثلي المجتمع المدني، الاتحاد الأوروبي على تبسيط عملية التقدم للتأشيرة لوقف هذه الكارثة الإنسانية.[14]
التوصيات
ختامًا، في استطاعة بعض الاستراتيجيات المذكورة في هذه المدونة أن تُمهّد مسارات آمنة لسكان منطقة الساحل للهجرة إلى أوروبا. في الواقع، تُمثّل الهجرة الدائرية، إذا ما أتيحت لعدد أكبر من الناس، خيارًا عمليًا للباحثين عن فرص عمل خارج بلدانهم. إضافةً إلى ذلك، فمن شأن تغيير نظام تأشيرة شنغن، كما اقترحته المنظمات غير الحكومية السنغالية، أن يُوفّر بديلًا عن طرق الهجرة الخطرة التي يسلكها اليوم العديد من المهاجرين الساعين للوصول إلى الشواطئ الأوروبية. سيمنع العمل وفقًا لهذه السياسات استمرار هذه الأزمة الإنسانية، كما سيؤدي إلى احترام حقوق المهاجرين الإنسانية. ولتحقيق هذه الأهداف، نوصي بما يلي:
- توسيع نطاق الهجرة الدائرية من خلال جعلها متاحة لعدد أكبر من الناس وتبني هذه السياسة على المستوى الأوروبي، لا على المستوى الوطني فقط.
- احترام اتفاقية جنيف من خلال ضمان حق طلب اللجوء لجميع المهاجرين.
- إقامة ممرات إنسانية، بدلاً من تجريم الهجرة وردعها.
- تسهيل عملية الحصول على تأشيرة شنغن للدول الأفريقية، من خلال احترام الاتفاقيات الموجودة بالفعل، وتبسيط العملية وجعلها أقل تكلفة.
مصادر ومراجع
- رصد الحق في الحياة – 2024. كاميناندو فرونتيراس (دون تاريخ) https://caminandofronteras.org/en/monitoreo/monitoring-the-right-to-life-2024/.
- الحكومة توقع اتفاقيات مع موريتانيا وغامبيا والسنغال لتعزيز مسارات الهجرة الآمنة والمنتظمة وحماية حقوق العمال. لا مونكلوا. 29/08/2024. الحكومة توقع اتفاقيات مع موريتانيا وغامبيا والسنغال لتعزيز مسارات الهجرة الآمنة والمنظمة وحماية حقوق العمال [الخدمات الصحفية/الأحداث الجارية/الإدماج والتأمينات الاجتماعية والهجرة]. (دون تاريخ). https://www.lamoncloa.gob.es/serviciosdeprensa/notasprensa/inclusion/paginas/2024/290824-saiz-acuerdos-africa.aspx
- بيدرو سانشيز يعلن في السنغال عن إنشاء “تحالف إفريقيا تتقدم” لتعزيز النمو الاقتصادي والمستدام في المنطقة. لا مونكلوا. 28/08/2024. بيدرو سانشيز يعلن في السنغال عن إنشاء “تحالف إفريقيا تتقدم” لتعزيز النمو الاقتصادي والمستدام في المنطقة [الرئيس/النشاطات]. (دون تاريخ). https://www.lamoncloa.gob.es/presidente/actividades/paginas/2024/280824-sanchez-viaje-senegal.aspx
- مباو، ب. ب. (6 آذار/مارس 2025). تحليل مفصل -السنغال: فهم اتفاقيات الهجرة الدائرية مع إسبانيا. أفريكا تشيك. https://africacheck.org/fr/fact-checks/fiches-dinformation/explainer-decryptage-senegal-comprendre-la-migration-circulaire-avec-espagne
- مسح العمالة. الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا (ANSD) في السنغال. (دون تاريخ). https://www.ansd.sn/Indicateur/enquete-emploi
- لوكوتيديان. (15 أيار/مايو 2021). الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة بين السنغال وإسبانيا: من التعاون إلى انتهاك حقوق العمال المهاجرين -لوكوتيديان -صحيفة المعلومات العامة. https://lequotidien.sn/les-accords-sur-la-migration-entre-le-senegal-et-lespagne-de-la-cooperation-a-la-violation-des-droits-des-travailleurs-migrants/
- على إسبانيا أن تعزز الحقوق الاجتماعية، وتضمن بشكل أفضل حرية التعبير والتجمع، وتحسّن حقوق الإنسان الخاصة باللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين. (29 تشرين الثاني/نوفمبر 2022). https://www.coe.int/fr/web/commissioner/-/l-espagne-devrait-promouvoir-les-droits-sociaux-mieux-garantir-les-libertés-d-expression-et-de-réunion-et-améliorer-les-droits-humains-des-réfugiés-des-demandeurs-d-asile-et-des-migrants
- (2024). حملة من أجل إجراءات التأشيرة العادلة والمنصفة. داكار.
- “السنغال: ما نعرفه عن حادثة الغرق قبالة سواحل مبور.” فرانس 24، 11 أيلول/سبتمبر 2024.
- سيريتو، جي. جي. (6 كانون الأول/ديسمبر 2024). “يجب أن نُحرِّر الهجرة من الأحكام المسبقة.” والف كوتيديان
مسح وطني حول التشغيل في السنغال -الربع الرابع 2017. (دون تاريخ). https://www.ansd.sn/sites/default/files/2023-05/Rapport_ENES_TRIM4_2017.pdf
[1] رصد الحق في الحياة – 2024. كاميناندو فرونتيراس (دون تاريخ) https://caminandofronteras.org/en/monitoreo/monitoring-the-right-to-life-2024/.
[2] الحكومة توقع اتفاقيات مع موريتانيا وغامبيا والسنغال لتعزيز مسارات الهجرة الآمنة والمنتظمة وحماية حقوق العمال. لا مونكلوا. 29/08/2024. الحكومة توقع اتفاقيات مع موريتانيا وغامبيا والسنغال لتعزيز مسارات الهجرة الآمنة والمنظمة وحماية حقوق العمال [الخدمات الصحفية/الأحداث الجارية/الإدماج والتأمينات الاجتماعية والهجرة]. (دون تاريخ). https://www.lamoncloa.gob.es/serviciosdeprensa/notasprensa/inclusion/paginas/2024/290824-saiz-acuerdos-africa.aspx
[3] الحكومة توقع اتفاقيات مع موريتانيا وغامبيا والسنغال لتعزيز مسارات الهجرة الآمنة والمنتظمة وحماية حقوق العمال. لا مونكلوا. 29/08/2024. الحكومة توقع اتفاقيات مع موريتانيا وغامبيا والسنغال لتعزيز مسارات الهجرة الآمنة والمنظمة وحماية حقوق العمال [الخدمات الصحفية/الأحداث الجارية/الإدماج والتأمينات الاجتماعية والهجرة]. (دون تاريخ). https://www.lamoncloa.gob.es/serviciosdeprensa/notasprensa/inclusion/paginas/2024/290824-saiz-acuerdos-africa.aspx
[4] بيدرو سانشيز يعلن في السنغال عن إنشاء “تحالف إفريقيا تتقدم” لتعزيز النمو الاقتصادي والمستدام في المنطقة. لا مونكلوا. 28/08/2024. بيدرو سانشيز يعلن في السنغال عن إنشاء “تحالف إفريقيا تتقدم” لتعزيز النمو الاقتصادي والمستدام في المنطقة [الرئيس/النشاطات]. (دون تاريخ). https://www.lamoncloa.gob.es/presidente/actividades/paginas/2024/280824-sanchez-viaje-senegal.aspx
[5] مباو، ب. ب. (6 آذار/مارس 2025). تحليل مفصل -السنغال: فهم اتفاقيات الهجرة الدائرية مع إسبانيا. أفريكا تشيك. https://africacheck.org/fr/fact-checks/fiches-dinformation/explainer-decryptage-senegal-comprendre-la-migration-circulaire-avec-espagne
[6] مسح العمالة. الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا (ANSD) في السنغال. (دون تاريخ).
https://www.ansd.sn/Indicateur/enquete-emploi
[7] لوكوتيديان. (15 أيار/مايو 2021). الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة بين السنغال وإسبانيا: من التعاون إلى انتهاك حقوق العمال المهاجرين – لوكوتيديان -صحيفة المعلومات العامة. https://lequotidien.sn/les-accords-sur-la-migration-entre-le-senegal-et-lespagne-de-la-cooperation-a-la-violation-des-droits-des-travailleurs-migrants/
[8] على إسبانيا أن تعزز الحقوق الاجتماعية، وتضمن بشكل أفضل حرية التعبير والتجمع، وتحسّن حقوق الإنسان الخاصة باللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين. (29 تشرين الثاني/نوفمبر 2022). https://www.coe.int/fr/web/commissioner/-/l-espagne-devrait-promouvoir-les-droits-sociaux-mieux-garantir-les-libertés-d-expression-et-de-réunion-et-améliorer-les-droits-humains-des-réfugiés-des-demandeurs-d-asile-et-des-migrants
[9] (2024). حملة من أجل إجراءات التأشيرة العادلة والمنصفة. داكار.
[10] “السنغال: ما نعرفه عن حادثة الغرق قبالة سواحل مبور.” فرانس 24، 11 أيلول/سبتمبر 2024.
[11] سيريتو، جي. جي. (6 كانون الأول/ديسمبر 2024). “يجب أن نُحرِّر الهجرة من الأحكام المسبقة.” والف كوتيديان.
[12] سيريتو، جي. جي. (6 كانون الأول/ديسمبر 2024). “يجب أن نُحرِّر الهجرة من الأحكام المسبقة.” والف كوتيديان.
[13] مسح وطني حول التشغيل في السنغال -الربع الرابع 2017. (دون تاريخ). https://www.ansd.sn/sites/default/files/2023-05/Rapport_ENES_TRIM4_2017.pdf
[14] سيريتو، جي. جي. (6 كانون الأول/ديسمبر 2024). “يجب أن نُحرِّر الهجرة من الأحكام المسبقة.” والف كوتيديان.