في اليوم الدولي للتضامن مع الموظفين المحتجزين والمفقودين، لا بد من اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم العاملين في القطاع الصحي في غزة، إذ يُعَدّ العاملون الصحيون من أكثر الفئات عرضة للخطر بين أفراد الطواقم الضرورية في غزة حاليًا. فمنذ السابع من أكتوبر، قُتل ما لا يقلّ عن 1000 عامل صحي فلسطيني[1]، واعتُقل 339 آخرون على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك وفقًا لمؤسسة “هيئة مراقبة العاملين في القطاع الصحي”[2]. والآن، يقبع 160 عاملًا صحيًّا رهن الاعتقال، فيما ما يزال 24 آخرون في عداد المفقودين.[3]
يشكّل العاملون في القطاع الصحي دعامة أساسية لاستمرار الحياة في غزة، كما يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي، إلا أنهم يتعرّضون على نحو ممنهج لاستهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي ضمن ما يُعدّ حملة إبادة جماعية أوسع تنتهجها دولة الاحتلال الإسرائيلي. وكان سكان غزة في حاجة إلى رعاية صحية متقدمة قبل السابع من أكتوبر، ولكن منذ ذلك التاريخ، وبحسب وزارة الصحة في غزة، سُجِّل مقتل 48,577 فلسطينيًّا إضافيًّا، مع تقديرات تفيد بإصابة 112,041 آخرين بجروح تستلزم الحصول على رعاية طبية. تتسبّب جرائم القتل، والاعتقال والتعذيب، التي تمارسها الاحتلال الإسرائيلي في حق العاملين الصحيين في تفاقم أوضاع الجرحى، وتؤدي إلى وفيات كان من الممكن منعها. كما يقع على عاتق هؤلاء العاملين دورٌ في تدريب الجيل القادم من الأطباء؛ ويضيف غيابهم تحديات جديدة أمام محاولات إنقاذ ما تبقّى من المستشفيات وإعادة بنائها في المستقبل.
تشير تقارير عن ممارسات التعذيب التي يتعرّض لها المعتقلون على أيدي القوات الإسرائيلية، والتي يُقصَد بها حرمان العاملين الصحيين من مزاولة مهنتهم مستقبلًا. وفي إحدى الشهادات التي قدّمها أحد الأطباء (د. ك.ج)، قال الطبيب إنهم هدّدوه ببَتر أصابعه لأنّه طبيب أسنان[4]. أما الدكتور عصام أبو عجوة، وهو استشاري جراحة بارز ومعروف، فقد أفاد بأن حرّاس السجن تلقّوا أوامر بإلحاق الضرر بيديه: “قالوا إنهم يريدون التأكد من أنني لن أستطيع العودة إلى ممارسة عملي أبدًا[5]”.
ومن بين المعتقلين الدكتور حسام أبو صفية، رئيس مستشفى كمال عدوان، المحتجز في سجون إسرائيلية منذ اعتقاله في المستشفى في كانون الثاني/ديسمبر 2024. وعلى غرار الكثير، تعرّض الدكتور أبو صفية لتعذيب شديد، ولم يُسمح له بمعرفة التهم الموجَّهة إليه أو الاعتراض عليها. ويبدو أن اعتقاله جاء انتقامًا لاستمراره في علاج المرضى في المستشفى رغم الضغوط التي مارستها قوات الاحتلال الإسرائيلية لإخلائه[6]. إضافة إلى ذلك، عُدّ العديد من الموظفين مفقودين بعدما فرّوا من مستشفياتهم إلى وجهات مجهولة بسبب تصاعد العنف.[7]
من جهتها، دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى الإفراج الفوري عن العاملين الصحيين المعتقلين تعسّفيًّا، واصفة ما يتعرّضون له بأنه “اختفاء قسري، وتعذيب وسوء معاملة”[8]. كما شددت المفوضية على ضرورة محاسبة الجنود المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان. ورغم التوثيق الواسع للجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، لم يُسجَّل منذ السابع من أكتوبر سوى سجن جندي واحد بتهمة إساءة معاملة فلسطينيين.
يمثّل الاستهداف الممنهج للعاملين الصحيين، واعتقالهم وقتلهم في غزة انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي وهجومًا مباشرًا على ركائز الحماية الإنسانية. فهذه الممارسات لا تجرّد الجرحى من الرعاية الطبية العاجلة فحسب، بل تقوّض أيضًا البنى التحتية الضرورية للحفاظ على مستقبل الرعاية الصحية في المنطقة. وفي اليوم الدولي للتضامن مع الموظفين المحتجزين والمفقودين، يتعيّن علينا أن نرفع صوتنا للمطالبة بالعدالة ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي، والضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عن جميع العاملين الطبيين المعتقلين. وعلى صعيد آخر، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات عاجلة وحاسمة لضمان حماية العاملين الصحيين وصون مبادئ القانون الدولي.
[1] “الغارات والاقتحامات والتوغلات: أكثر من عام من الهجمات المتواصلة على الرعاية الصحية في فلسطين”، أطباء بلا حدود، 7 كانون الثاني/يناير 2025
https://www.msf.org/strikes-raids-and-incursions-year-relentless-attacks-healthcare-palestine.
[2] “لا ينبغي أن يكون العاملون في الرعاية الصحية هدفًا. في غزة، يؤثر احتجازهم ومقتلهم على جميع السكان”، تانيا كينغ، فيونا ستانلي، جاي جيلور، روب مودي، تلمان روف، ذي كونفرسيشن، 11 آذار/مارس 2025
https://theconversation.com/health-care-workers-should-not-be-a-target-in-gaza-their-detention-and-death-affect-the-entire-population-251146.
[3] “منظمة الصحة العالمية تدعو للإفراج عن أكثر من 160 من العاملين الطبيين في غزة تحتجزهم إسرائيل”، صحيفة “ذا بالستاين كرونيكل”، 25 شباط/فبراير 2025
https://www.palestinechronicle.com/who-calls-for-release-of-over-160-gaza-medical-workers-held-by-israel/.
[4] “مصمَّم للإذلال: تعذيب إسرائيل للعاملين في القطاع الصحي بغزة”، بقلم سايمون سبيكمان كوردال، الجزيرة، 26 شباط/فبراير 2025
https://www.aljazeera.com/news/2025/2/26/designed-to-humiliate-israel-targets-gazas-healthcare-workers.
[5] “لا قواعد: أطباء غزة يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب والضرب والإذلال أثناء احتجازهم في إسرائيل”، صحيفة الغارديان، بقلم آني كيلي، هدى عثمان، وفرح جلّاد، 25 شباط/فبراير 2025
https://www.theguardian.com/global-development/2025/feb/25/israel-gaza-doctors-surgeons-healthcare-detention-international-law.
[6] “إسرائيل تعتقل الطبيب الغزي أبو صفية بموجب قانون ‘المقاتل غير الشرعي’: منظمة حقوقية”، بقلم محمد ماجد، وكالة الأناضول، 14 شباط/فبراير 2025
https://www.aa.com.tr/en/middle-east/israel-arrests-gaza-doctor-abu-safiya-under-unlawful-combatant-law-rights-group/3482615.
[7]“مئات المفقودين من مستشفى الأقصى في غزة وسط قصف إسرائيلي” الجزيرة 8 كانون الثاني/يناير 2024 https://www.aljazeera.com/news/2024/1/8/location-of-staff-600-al-aqsa-hospital-patients-unknown-director.
[8] “بيان بشأن مقتل واحتجاز العاملين الصحيين تعسفيًا في غزة”، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 25 حزيران/يونيو 2024
تقدم نشرتنا الإخبارية الرئيسية ملخصًا أسبوعيًا للمحتوى، بالإضافة إلى تلقي أحدث المعلومات حول الأحداث وكيفية التواصل مع المركز.