في ضوء اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية، الذي يُحتفل به في 18 يونيو/حزيران من كل عام، يغدو من الضروري في عصرنا هذا، ومع تزايد سهولة الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إدراك الآثار الضارة التي يخلفها هذا الخطاب على الفئات الضعيفة في المجتمع، إذ غالبًا ما يستهدف خطاب الكراهية الخصائص المتأصلة في فئات معينة سعيًا إلى ضمان إقصائها عن المجال العام.
وتُعرّف “استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية” خطاب الكراهية على أنه: “أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين، أو الانتماء الإثني، أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية”. [1]
تتعرض النساء جراء كونهن هدفًا رئيسيًا لخطاب الإقصاء باستمرار إلى قصف خطاب الكراهية الذي يستهدف مظهرهن وقدراتهن العقلية ومشاركتهن، إضافة إلى مجرد وجودهن ذاته في كثير من الأحيان، وذلك بدءًا بالفيلسوفة هيباتيا، إلى حرق النساء على الخازوق، وحتى خطاب الكراهية العنيف ضد النساء الذي يحظى بأقل قدر من الاهتمام على منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية[2]. وليس ثمة مثيل لخطاب الكراهية المعادي للنساء؛ إذ اتخذ أشكالًا ومظاهر متعددة عبر التاريخ، الأمر الذي يُصعّب تحديد الأساس المنطقي الدقيق المسؤول عن إخضاع النساء، والتقليل من شأنهن على الدوام وحملات التشهير التي يشنها الرجال ضدهن. إن الوجود في مجتمع أبوي يعني أن هذا الشكل من العنف أصبح أمرًا طبيعيًا ومعتادًا إلى حد أن أي محاولة لتحديه أو مقاومته باتت تُقابل بمزيد من الكراهية وصل إلى حد وصف هذه المحاولات بالتخريبية أو التدميرية.
ومع ذلك، ثمة نقطة خلاف فيما يتصل بمدى ذاتية خطاب الكراهية؛ فما الذي يشكل هذا الخطاب في ضوء الطبيعة الفضفاضة والواسعة النطاق لهذا المفهوم؟
التنظير لخطاب الكراهية
فرّق الباحث ريتشاردسون-سيلف (2018)[3] بين خطاب القمع وخطاب الكراهية؛ فبالنسبة له، ليس كل خطاب قمعي خطاب كراهية، ولكنّ كل خطاب كراهية قمعي بالضرورة. ومع ذلك، غالبًا ما تُقوّض خطورة قمع خطاب الكراهية، إذ يتذرع الناس بحجة “حرية التعبير” لتبرير هذا الخطاب. لذلك، يُعتقد أن خطاب الكراهية يؤدي إلى أفعال معينة مثل الصمت، والتشويه، والازدراء، والإذلال، والترهيب، والتحريض على العنف، والتمييز، والتشهير، والإهانة، والاضطهاد، والتهديد، وما شابه ذلك. وبالتالي، إذا ما مارس أي شكل من أشكال التعبير أيًا مما سبق، واستهدف فئة مضطهدة تاريخيًا، فإن مقاضاة مثل هذا الفعل لا تُعدّ اعتداءً على “حرية التعبير”، بل بروتوكولًا يُقصد به حماية الفئات الضعيفة من جرائم الكراهية.
ولتسهيل تحديد خطاب الكراهية في الأردن، ألغت الحكومة الأردنية قانون الجرائم الإلكترونية القديم (2015) ووضعت قانون جرائم إلكترونية جديدًا ومتطورًا بدلًا منه (2023) يُطبّق تدابير إضافية لمكافحة الجرائم الإلكترونية. وعلى الرغم من التحسينات الكبيرة فيه، فإن القانون الجديد، وإن كان وقائيًا، لا يُعرّف خطاب الكراهية بوضوح، ولا يُحدّد الخط الفاصل بينه وبين حرية التعبير.
ضمن هذ القانون، فإن المواد الأقرب إلى تعريف خطاب الكراهية هي المواد رقم 15 و16 و17[4]، التي تُجرّم التشهير، والقذف، واغتيال الشخصية، والكراهية، وتبرير العنف، وإثارة النعرات الطائفية أو الفتنة، وازدراء الأديان. ومع ذلك، لم يُعرّف القانون أيًا من هذه المصطلحات صراحة، ولم يُشر أيٌّ منها إلى التمييز على أساس الجنس أو الفروقات بين الجنسين.
خطاب الكراهية ضد المرأة
عندما يتعلق الأمر بخطاب الكراهية ضد المرأة، فثمة معايير تُحدّد مكونات هذا الخطاب. يُصوّر بعض الباحثين[5] هذا التصنيف من خلال التمييز بين الخطاب المتحيز جنسيًا والخطاب المُعادي للنساء، واعتبار الأخير خطاب كراهية قمعيًا، كما يجادلون بأن الطبيعة المُتداخلة للخطاب المُعادي للنساء تؤدي إلى إنشاء تصنيف متعسف لهن بناءً على مدى توافقهن مع النظام الأبوي؛ فكلما ازداد توافق المرأة معه، كانت أفضل، والعكس صحيح. لا يؤدي هذا إلى تحويل النساء إلى مجرد عميلات سلبيات للنظام الأبوي فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى قيام النساء أنفسهن باستغلال هذا النظام[6] لإثبات “صلاحهن” وخلق المزيد من الانقسام بينهن.
ولتوضيح الحجة المذكورة أعلاه، ستتناول هذه المدونة مشاركة المرأة في السياسة مثالًا. فالسياسة، التي تُعتبر مجالًا ذكوريًا اجتماعيًا، تقبل مشاركة المرأة فيها على مضض ضمن عدة شروط، أهمها عدم تحدي وضع النظام السياسي الراهن مع التمسك بمبادئه القمعية، بما في ذلك ما هو أبوي منه. لذا، إذا أرادت المرأة لا دخول الساحة السياسية فقط، بل الحفاظ على مكانتها فيها، فلا يمكنها الخوض في مواضيع استفزازية أو مثيرة للجدل بما يشمل موضوع القمع الأبوي المنهجي، والذي يُوصف للمفارقة بهذه الطريقة جراء القمع الأبوي المنهجي ذاته.
وبالتالي، يُترجم هذا التصنيف التعسفي إلى امرأة “صالحة” للسياسة وامرأة غير صالحة، وذلك بحسب مستوى توافقها مع النظام الأبوي. ويترسخ هذا المفهوم ببطء ثابت في الوعي الجماعي، إذ تتعرض المزيد من النساء اللواتي يحاولن “زعزعة” الوضع الراهن لوابل من خطاب الكراهية المتجذر في كراهية النساء، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى أن تتجنب النساء السياسة تمامًا، وهو ما يُعتبر، بطريقة غير مباشرة، إسكاتًا لهن.
يزداد خطاب الكراهية حدةً عندما تكون المرأة في دائرة الضوء، سواءً أكانت سياسية[7] أم صحفية[8] أم ناشطة[9] أم شخصية عامة[10]. فعلى سبيل المثال لا الحصر، من بين سلسلة حملات الكراهية ضد المرأة، ووفقًا لتقرير صادر عن معهد الحوار الاستراتيجي، واجهت العديد من المرشحات الأردنيات خطابًا واسع النطاق معاديًا للنساء عزز المعايير المجتمعية الضارة، وتجاوزت العديد من التعليقات عبر الإنترنت الموجهة إلى المرشحات التشكيك في كفاءتهن إلى كونها مضايقات تستهدفهن بالذات[11].
كشفت دراسة أخرى أجراها معهد تضامن النساء العالمي[12] عن أبعاد العنف الانتخابي الرقمي ضد المرشحات في الانتخابات البرلمانية الأردنية لعام 2024، والذي امتد إلى التشهير بهن وقولبتهن والسخرية منهن، وغيرها من الأفعال. ويرى المعهد أن هذا النوع من العنف يُضعف ثقة الناخبين بالمرشحة، ما يُضعف تاليًا مشاركتها المستقلة في السياسة. وقد ثبتت صحة هذا الرأي، إذ لم تنجح أي مرشحة في منافسة القوائم الانتخابية المفتوحة، ولم تنجح 25 امرأة ممن ترشحن خارج نظام الكوتا.
ولا تخلو حياة الصحفيات من خطاب الكراهية، إذ أفادت شبكة مناهضة العنف الرقمي ضد الصحفيات في الأردن أن 55% من الصحفيات اللواتي شملهن الاستطلاع أفدن بمواجهتهن شكلاً من أشكال العنف عبر الإنترنت مرة واحدة على الأقل في حياتهن المهنية، بما في ذلك خطاب الكراهية والتشهير[13].
الخاتمة
يُعدّ خطاب الكراهية مشكلة بنيوية لا يُمكن النظر إليها بمعزل عن غيرها، ومع تزايد إمكانية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وصعود الذكاء الاصطناعي المُولّد الذي يُتيح للأشخاص تزييف، أو اختلاق أو حتى إنشاء أي صورة أو مقطع فيديو واستغلالها في حملات التشهير، فإننا في حاجة إلى البدء في النظر إلى خطاب الكراهية والعنف عبر الإنترنت باعتبارها قضايا متجذرة في نسيج المجتمع ينبغي استخلاصها والقضاء عليها.
[1] الأمم المتحدة، “ما هو خطاب الكراهية؟”، أيار/مايو 2019، https://www.un.org/en/genocideprevention/documents/UN%20Strategy%20and%20Plan%20of%20Action%20on%20Hate%20Speech%2018%20June%20SYNOPSIS.pdf.
[2] غلوبال ويتنس، “خطاب الكراهية العنيف والجنسي الموجه ضد الصحفيات الذي تمت الموافقة على نشره على منصات التواصل الاجتماعي”، غلوبال ويتنس (مدونة)، 2023، https://globalwitness.org/en/campaigns/digital-threats/violent-and-sexualised-hate-speech-targeting-women-approved-for-publication-by-social-media-platforms/.
[3] لويز ريتشاردسون-سيلف، “كراهية المرأة: حول كراهية النساء والتمييز الجنسي وخطاب الكراهية”، هيباتيا 33، العدد 2 (2018): 256-272، https://doi.org/10.1111/hypa.12398.
[4] ديوان التشريع والرأي، “قانون الجرائم الإلكترونية”، القانون رقم 17 (2023)، https://www.lob.gov.jo/?v=1&lang=ar#!/LegislationDetails?LegislationID=3398&LegislationType=2&isMod=false.
[5] ريتشاردسون-سيلف، “كراهية المرأة.”
[6] لا يُمارس هذا لقمع النساء الأخريات، بل لتحقيق مكاسب من التوافق مع النظام، كتحقيق المكانة الاجتماعية والقبول المجتمعي. ومع أن التفاوض مع نظام قمعي يُعدّ قمعيًا بطبيعته، إلا أنه وسيلة بقاء ضمن هذا النظام، وقد يُمارس دون وعي.
[7] أيم سينبينج، “السياسيات في جنوب شرق آسيا يواجهن وباء العنف عبر الإنترنت”، مركز الابتكار الدولي للحوكمة (مدونة)، 2022، https://www.cigionline.org/articles/women-politicians-in-southeast-asia-face-an-epidemic-of-online-violence/.
[8] جولي بوسيتي وآخرون، “الرعب: الاتجاهات العالمية في العنف عبر الإنترنت ضد الصحفيات؛ ورقة بحثية للمناقشة” (اليونسكو، 2021)، https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000377223.
[9] زينة ارحيم، “الناشطات في الشرق الأوسط يواجهن التنمر عبر الإنترنت والتحرش الجنسي”، مدونة أوبن ديموكراسي، 2020، https://www.opendemocracy.net/en/north-africa-west-asia/women-activists-middle-east-face-online-bullying-and-sexual-harassment/.
[10] روب كوفر وآخرون، “حماية الشخصيات العامة على الإنترنت: كيف تُعرّف المنصات والهيئات التنظيمية الشخصيات العامة؟”، ميديا إنترناشونال أستراليا، 9 كانون الثاني/يناير 2024، 1329878X231225745، https://doi.org/10.1177/1329878X231225745.
[11] “خطاب الكراهية والتحديات الديمقراطية: التعامل مع انتخابات الأردن 2024″، مدونة معهد الحوار الاستراتيجي، تاريخ الوصول: 27 أيار/مايو 2025، https://www.isdglobal.org/digital_dispatches/hate-speech-and-democratic-challenges-navigating-jordans-2024-elections/.
[12] معهد تضامن النساء الأردني، “دراسة نوعية جديدة تكشف أبعاد العنف الانتخابي الرقمي ضد المرشحات في الانتخابات النيابية الأردنية 2024″، 2025، https://www.sigi-jordan.org/en/article/dr-s-noa.
[13] سلامات وشبكة مناهضة العنف ضد الصحفيات في الأردن، “دراسة قطاعية: العنف الرقمي على الصحفيات في الأردن”، سلامات (مدونة)، 2023، https://portal.salamatmena.org/publication/dvaw-jordan-journalists-ar/.
تقدم نشرتنا الإخبارية الرئيسية ملخصًا أسبوعيًا للمحتوى، بالإضافة إلى تلقي أحدث المعلومات حول الأحداث وكيفية التواصل مع المركز.