المدونات والمقالات

عقد من المساعدة القانونية للاجئين في الأردن: دروس الاستجابة الإنسانية والمضي قدمًا

على مدار العقد الماضي، تميز الأردن بريادته في دمج المساعدة القانونية في استجابته للاجئين. تُبرز هذه المقالة الدروس الرئيسية المستفادة من هذه المسيرة، وتدعو إلى الاعتراف بالمساعدة القانونية بوصفها خدمة إنسانية أساسية، لا سيما في أوقات الأزمات والتحولات.

ومع دخول أزمة اللاجئين السوريين مرحلة جديدة حرجة، وتوقع استعداد المزيد من العائلات للعودة إلى سوريا، يجدر بنا إعادة النظر في بُعدٍ من أبعاد العمل الإنساني لا ينال حظه من الاهتمام اللازم في معظم الأحيان ونعني بذلك المساعدة القانونية. خلال السنوات الاثني عشر الماضية، أصبح الأردن نموذجًا يُحتذى به في سبل تأثير الوصول إلى الخدمات القانونية على حياة اللاجئين اليومية، وحقوقهم وآفاقهم المستقبلية، وأسباب اعتبار المساعدة القانونية جزءًا لا يتجزأ من الحماية خلال الأوضاع الإنسانية.

 

المساعدة القانونية: شريان حياة أساسي يعاني الإهمال

عندما تُجبر النزاعات أو الكوارث الناس على الفرار من أوطانهم، فغالبًا ما يعبرون الحدود دون الوثائق الرسمية أو وثائق إثبات العلاقات بين الأفراد، أو أخرى تبين وضعهم القانوني. وقد يؤدي ذلك الى ولادة أطفال لا يحملون شهادات ميلاد، وزواجًا غير مُسجل قانونًا، وأسرًا غير قادرة على الحصول على الحقوق من الميراث، وأشخاصًا مُعرَّضين لخطر الاعتقال أو الاستغلال على الدوام.

تُحدد المعايير الإنسانية الدولية -مثل دليل “اسفير”- الحد الأدنى من احتياجات المأوى، والمياه، والصرف الصحي والاحتياجات الصحية. ومع ذلك، فإنها تُغفل إلى حد كبير الاحتياجات القانونية في هذا الصدد. تظهر الأدلة أن لهذه الفجوة عواقب وخيمة، إذ يكافح اللاجئون الذين يفتقرون إلى الوثائق الرسمية من أجل الحصول على التعليم، والرعاية الصحية، وتصاريح العمل والحماية الاجتماعية، وهم أكثر عرضة للعمل القسري، والزواج المبكر، والاتجار بالبشر وخطر انعدام الجنسية -وهي الظروف التي تُرسّخ الفقر والتوتر الاجتماعي.

 

رحلة الأردن: ترسيخ المساعدة القانونية منذ البداية

عند إنشاء مخيم الزعتري للاجئين في الأردن في العام 2012 بهدف استضافة عشرات الآلاف من السوريين، سرعان ما برزت المخاطر القانونية التي تؤثر على قاطني المخيم، فقد أدى عدم وجود تسجيل مدني داخله، إلى ولادة الأطفال عرضة لخطر فقدان الجنسية، وعدم تسجيل حالات الزواج والطلاق والوفيات، إضافة إلى تعريض اللاجئين للاحتجاز في حال مغادرتهم المخيم بلا تصريح.

وإدراكًا لهذه التحديات، سارعت منظمات المجتمع المدني الوطنية، بالتعاون مع الحكومة الأردنية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إلى إدراج المساعدة القانونية على أنها جزء أساسي من استجابة اللاجئين. وكانت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وهي منظمة غير حكومية أردنية، من أوائل المنظمات التي قدمت الخدمات القانونية المتخصصة داخل مخيم الزعتري، وقد ناصرت بنجاح إنشاء مكاتب لدائرة الأحوال المدنية داخل المخيم لتسجيل المواليد والوفيات وغيرها من الوثائق، ودعمت إنشاء محاكم شرعية لتسجيل الزواج وغيرها من الوقعات الحيوية.

جرى تطبيق هذا النموذج لاحقًا في مخيم الأزرق ، ما ضمن أن تصبح خدمات الهوية القانونية والحماية معيارًا أساسيًا في جميع مخيمات اللاجئين الرئيسية في الأردن. ومع مرور الوقت، اتسع نطاق هذا الالتزام ليتجاوز حدود المخيمات، إذ وصلت خدمات المساعدة القانونية إلى السوريين المقيمين في المناطق الحضرية، وامتدت لتشمل الأردنيين الأكثر ضعفًا وتأثرًا في المجتمعات المضيفة، وذلك بدافع  إدراك التداخل بين الفقر والإقصاء (أو الإبعاد) بين الجنسيات في أغلب الحالات.

 

دور الشراكات والتنسيق

أُحرز هذا التقدم بفضل التعاون الوثيق مع المؤسسات الحكومية، والجهات القضائية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والجهات المانحة الدولية، كما ساهم التنسيق الاستراتيجي بينها في ضمان الاعتراف بالخدمات القانونية، وتمويلها ودمجها في بنية المخيمات التحتية والأطر الوطنية الأوسع.

 

فريق وطني مُدرّب على الحماية

يرجع الفضل في إتاحة هذه الخدمات للمستفيدين إلى وجود فريق كبير ومتنامٍ من المحامين، والمساعدين القانونيين والمستشارين القانونيين الأردنيين، ممن تلقوا تدريبًا وتجهيزًا على مر السنين للتعامل مع التحديات القانونية المعقدة التي تصاحب النزوح المطول. واليوم، تعمل هذه الشبكة الوطنية من خلال مكاتب منظمة النهضة العربية (أرض) في جميع أنحاء البلاد، حيث تُقدّم استشارات قانونية مجانية، وتمثيلًا قانونيًا أمام مختلف المحاكم، وجلسات توعية في المخيمات، في المدن والمحافظات والمناطق النائية على حد سواء.

وعلى صعيد آخر، ساهمت الفرق القانونية في حل قضايا الأسرة، ونزاعات المالكين والمستأجرين ، وقضايا الاحتجاز والتوقيف الإداري، ومطالبات حقوق العمل، -التي يمر بها اللاجئون والأسر المحلية . كما كان لها دور حيوي في مكافحة الاحتيال والمعلومات المضللة، لا سيما في الأوقات التي تنتشر فيها الشائعات بسرعة وتُعرّض المجتمعات للاستغلال.

 

الأثر والدروس المستفادة

تعكس تجربة الأردن ما تؤكده الأبحاث العالمية باستمرار وهي حقيقة أن المساعدة القانونية ليست ترفًا، بل أداة حماية أساسية، فاللاجئون الذين يمتلكون وثائق رسمية سليمة ويتمتعون بالقدرة للوصول إلى العدالة هم الأكثر عرضة لتسجيل أطفالهم في المدارس، والوصول إلى الرعاية الصحية، والحصول على عمل لائق، وحل النزاعات سلميًا. في المقابل، يُعمّق غياب الوثائق الرسمية التهميش، ويُقوّض التماسك الاجتماعي، بل إنه قد يؤثر على الاستقرار أيضًا.

فعلى سبيل المثال، خلال السنوات الأولى من إنشاء مخيم الزعتري، أدى غياب قنوات قانونية واضحة إلى ظهور ممارسات ومخالفات قانونية معقدة. وقد أدى ترسيخ إطار قانوني واضح -بدعم من مقدمي المساعدة القانونية، ومكاتب دائرة الأحوال المدنية، والمحاكم الشرعية- إلى إعادة تعزيز وتنظيم الأوضاع القانونية في المخيم، وتخفيف المخالفات، وتعزيز سيادة القانون داخله

منذ عام 2012، قدّمت النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) المشورة القانونية لأكثر من 65,000 لاجئ في مخيم الزعتري، وساهمت في حلّ أكثر من 2,000 قضية قانونية، ودعمت إصدار أكثر من 3,500 وثيقة مدنية—بينما وصل مجمل خدمات العون القانوني الذي قدمته إلى ما معدله 100,000 شخص سنوياً في جميع أنحاء الأردن.

 

مرحلة جديدة: الاستعداد لعودة آمنة وقانونية

في ظلّ تزايد فرص العودة الطوعية، ما تزال المساعدة القانونية حيوية، وإن تغيرت أشكالها إلى أخرى جديدة، ذلك أن اللاجئين الراغبين في العودة إلى بلادهم بحاجة إلى تسوية ديونهم المستحقة، والتحقق من السجلات المدنية والجنائية، والحصول على وثائق سارية المفعول، واجتياز إجراءات الخروج والعودة. وتواصل الفرق القانونية التابعة لمنظمة النهضة العربية (أرض) والموجودة في مخيمات الأردن والمناطق الحضرية، تقديم جلسات الإرشاد والتوعية القانونية لمساعدة العائلات على فهم حقوقها والتزاماتها، بما يضمن لهم عودة طوعية، وآمنة وقانونية.

في الوقت نفسه، لا تقلّ الاحتياجات القانونية لمن بقوا في المخيمات وخارجها إلحاحًا وضرورة عن غيرها، فما تزال نزاعات السكن، وحقوق العمال، وقضايا الأسرة، ومنع الاحتيال من الأولويات اليومية، لا سيما مع تزايد ضغوط التمويل، واستمرار المجتمعات المضيفة في تحمل الآثار الاجتماعية والاقتصادية للنزوح المطول.

 

مخطط الاستجابة الإنسانية

تُبيّن تجربة الأردن الممتدة لعقد من الزمن ضرورة اعتبار المساعدة القانونية ركيزة أساسية من ركائز الاستجابة الإنسانية بشكل يتساوى مع المأوى، والماء، والغذاء والرعاية الصحية، فهذه المساعدة تصون كرامة اللاجئين وحقوقهم، وتُعزز قدرة المجتمعات المضيفة على الصمود، وتستفيد بدورها من تكافؤ فرص الوصول إلى العدالة.

كما تظهر دائرة المساعدة في المنظمة التي تضم المحامين الأردنيين المُدرَّبين والعاملين القانونيين المجتمعيين آليات وطرق بناء القدرات المحلية واستدامتها لتلبية الاحتياجات القانونية المُعقَّدة. ويُجسِّد هذا النهج الفجوة القائمة بين الإغاثة الطارئة، والتنمية طويلة الأمد وجهود بناء السلام.

ومع استمرار تزايد النزوح العالمي، يُقدّم هذا النموذج دروسًا بالغة الأهمية في طرق تصميم المعايير الإنسانية، وتخصيص التمويل لخدمات الحماية، والتخطيط للحلول الدائمة. لا تضمن المساعدة القانونية الحماية الفورية فحسب، بل تُمهّد الطريق أيضًا لتحقيق نتائج طويلة الأمد -سواء من خلال العودة الطوعية، أو إعادة التوطين.

على الرغم مما سبق، يتطلب استدامة هذه الخدمات استثمارًا مستمرًا وطويل الأجل، وفي عصرٍ يشهد تقلباتٍ في التمويل الدولي، يُعدّ إعطاء الأولوية للمساعدة القانونية واعتباره ضمن الاستراتيجيات الوطنية وأطر عمل الجهات المانحة الدولية أمرًا بالغ الأهمية لسدِّ فجوات الخدمات وضمان حماية المحتاجين باستمرار.