المدونات والمقالات

عند انتهاء القتال: التهديد المستمر لمخلفات متفجرات الحرب على غزة

فابيان رورك
مساعدة في مركز النهضة الاستراتيجي في منظمة النهضة العربية (أرض)، حصلت فابيان على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف  في اللغة العربية والدراسات الإسلامية و…

بعد مرور اليوم الدولي للتوعية بالألغام والمساعدة في الإجراءات المتعلقة بالألغام، الذي يُحتفل به في الرابع من أبريل/نيسان، ينبغي أن لا يقتصر اهتمامنا على أهمية مسألة الألغام الأرضية فحسب، بل يتوجب إيلاء مزيد من هذا الاهتمام نحو مخلفات الحرب من المتفجرات، وهي الذخائر غير المنفجرة التي تواصل قتل الأفراد حتى بعد انتهاء القتال. ووفقًا لإحدى الدراسات، فغالبًا ما تكون مخلفات الحرب هذه أشد فتكًا من الألغام المضادة للأفراد، إلا أنها تحظى باهتمام أقل بكثير (بيتزينو وآخرون، 2023). ومع مقتل آلاف المدنيين سنويًا وتعريض سبل عيشهم للخطر، يتواصل الإرث الذي تخلفه الحرب لفترة طويلة حتى بعد انتهاء القتال.

تستكشف هذه التدوينة دور مخلفات الحرب من المتفجرات في التسبب بالنزوح والدمار، مع تركيز خاص على غزة، وهي المكان الذي يُعرّض غياب المساءلة الدولية فيه المدنيين لخطر جسيم.

 

ما هي مخلفات الحرب من المتفجرات وما مخاطرها؟

وفقًا لمكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، تعني مخلفات الحرب من المتفجرات أي ذخيرة متفجرة من تلك التي تبقى غير منفجرة وتُترك مكانها بعد انتهاء النزاعات (مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، دون تاريخ). ويشمل ذلك الذخائر العنقودية، وقذائف المدفعية، والقنابل اليدوية، وقذائف الهاون، والصواريخ، والقذائف الصاروخية، وغيرها من الذخائر المتفجرة، بالإضافة إلى بعض أنواع العبوات الناسفة.

قد يتراوح معدل فشل مخلفات الحرب من المتفجرات بين 1% و2%، كما قد ويصل إلى 30% أو 40%، تبعًا لعوامل متنوعة (مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية، دون تاريخ). أما تلك التي لا تنفجر، فقد تنفجر في أوقات غير متوقعة، أو قد يفجرها مدنيون غافلون عن الخطر الذي تشكله، بما ينطبق خاصة على الأطفال، الذين يمثلون ما يقرب من نصف إجمالي ضحايا هذه المخلفات (الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية – إدارة مكافحة الألغام، 2024). ولأن مخلفات الحرب من المتفجرات تشبه في شكلها أشياء عادية المظهر كالمراوح أو الألعاب أو العلب، فغالبًا ما يظنها الأطفال أشياءً يمكن لهم اللعب بها، ما يؤدي إلى انفجارها في أيديهم عن طريق الخطأ.

 

مخلفات الحرب من المتفجرات في القانون الدولي

يحظر القانون الدولي استخدام الألغام المضادة للأفراد والذخائر العنقودية، وتخزينها، وإنتاجها ونقلها. علاوة على ذلك، يُلزم البروتوكول الخامس لاتفاقية عام 1980 بشأن أسلحة تقليدية معينة (التي صادقت عليها 99 دولة طرفًا) الدول الأطراف بتسجيل المعلومات المتعلقة بالأجهزة المتفجرة المستخدمة في النزاعات وتبادلها، إلى جانب المساعدة في عمليات تطهيرها بعد انتهاء الحرب.

ومع ذلك، ورغم الترحيب بهذا البروتوكول، وكما أوضحت هيومن رايتس ووتش، “إلا أنه مليء بالشروط والغموض، إلى الحد الذي يمكن فيه اعتبار أحكامه الرئيسية طوعية بطبيعتها” (هيومن رايتس ووتش، 2003). هذا، بالإضافة إلى أن كون عدة دول من مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي غير طرف في هذه الاتفاقية -أو في الاتفاقيات المذكورة سابقًا- يعني أن تطبيق القانون يقع في مرتبة أدنى بكثير من المعايير المنشودة.

 

حالة غزة: مخلفات الحرب من المتفجرات وحرب الإبادة المستمرة

ومع رفض دولة الاحتلال الإسرائيلي الالتزام بالقانون الدولي أو التصديق حتى على معظم قوانين نزع السلاح، يتعرض الفلسطينيون، وكذلك الدول المستهدفة الأخرى، للخطر أثناء الحرب وبعدها، لا سيما بالنظر إلى استخدامها للذخائر في المناطق المكتظة بالسكان. ففي غزة، على سبيل المثال، حذرت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (UNMAS) من عدم انفجار ما بين 5 و10% من الأسلحة التي أُطلقت على غزة (الأمم المتحدة، 2025). وليس محمد القاضي، البالغ من العمر 10 سنوات، سوى واحد من الضحايا الذين قتلتهم مخلفات ذخائر الجيش الإسرائيلي في مسقط رأسه في رفح خلال اتفاق وقف إطلاق النار (وكالة الأناضول، 2025).

وتختفي مخلفات الحرب من المتفجرات تحت الأنقاض، وعلى جوانب الطرق، أو حتى داخل المنازل والمدارس والمستشفيات، الأمر الذي يزيد من تفاقم الوضع الكارثي أصلًا. وحتى لو سُمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة  –وهو أمرٌ غير مُتاح في معظمه– يواجه عمال الإغاثة خطرًا إضافيًا يتمثل في التنقل في المناطق الملوثة بالذخائر غير المنفجرة. وللأسف، فمن غير المرجح حاليًا إزالة مخلفات الحرب من المتفجرات بفعالية. ففي حين وقّعت دولة فلسطين وصادقت على البروتوكول الخامس بشأن هذه المخلفات، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تصادق عليها، مما يعكس رفضها المستمر لمحاسبتها على جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني.

 

العواقب البيئية والاجتماعية والاقتصادية

تعيش مخلفات الحرب من المتفجرات فترة أطول بكثير من تلك التي تستغرقها الحرب -أو الإبادة الجماعية. على سبيل المثال، وبعد ما يتجاوز 45 عامًا من حرب الولايات المتحدة وفيتنام، فما تزال الأسلحة غير المنفجرة مدفونة تحت أكثر من 80% من أراضي مقاطعة كوانغ ترو (أشجار السلام فيتنام، دون تاريخ)، بما لا يهدد حياة المدنيين فحسب، بل يُعرّض سبل عيشهم للخطر ويساهم في تفاقم المخاوف البيئية.

على سبيل المثال، قال علي سالم، وهو أب يمني يعتمد على الزراعة المعيشية (أو ما يعرف بزراعة الكفاف): “عجزنا عن الزراعة منذ عودتنا [من النزوح]، ولم نكن نعرف أماكن سيرنا ومواقع الزراعة إلى أن جرى تطهير المزرعة” (مشروع مسام، 2022). ويمنع وجود هذه المخلفات من المتفجرات بعد انتهاء الحرب المدنيين من الوصول إلى الأراضي والمياه وحتى التعليم، ما يزيد من معدلات الفقر والبطالة.

علاوة على ذلك، فإن في وسع الذخائر المهجورة التي لا تنفجر، وتلك التي تُفجّر عمدًا أو عن طريق الخطأ، أن تُلوّث التربة ومصادر المياه من خلال تسرب المواد الكيميائية إليها. ومع مرور الوقت، فإن بمقدورها إطلاق المزيد من المعادن الثقيلة المتنوعة في التربة المحيطة، والتي تصل في آخر الأمر إلى السلسلة الغذائية وذلك في حالة الأراضي الزراعية، لتشكل خطرًا جسيمًا على صحة الناس على المدى الطويل (مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية، 2015).

 

النزوح والخوف من العودة

تُصعّب مخلفات المتفجرات على النازحين العودة الآمنة أو إعادة بناء منازلهم. ففي غزة، على سبيل المثال، أفادت التقارير بتدمير 60% من المباني (غراهام-هاريسون، 2025). علاوة على ذلك، تُشكّل الأراضي الزراعية حوالي 41% من مساحة غزة، وقد تدهورت حالة 57% منها (منظمة العمل ضد الجوع، 2024). ومع خطر تلويث مخلفات الحرب من المتفجرات للأرض وبقائها تحت الأنقاض، لا يُجبر الفلسطينيون على النزوح من منازلهم فحسب، بل قد يخشون العودة إليها أيضًا. فعلى سبيل المثال، قُتل يوسف كساب، البالغ من العمر 29 عامًا، جراء المخلفات الإسرائيلية أثناء عودته إلى منزله في وسط رفح، إثر تعثره بـ”جسم غريب” (أبو بكر، 2025).

 

دعوة للمساءلة

مع امتناع الدول عن معاقبة دولة الاحتلال الإسرائيلي على أفعالها، يُعاني القانون الدولي حاليًا من عجز. ومما يُثير القلق، كما حذّرت هيومن رايتس ووتش (2025) مؤخرًا، أن معاهدة حظر الألغام نفسها تواجه “تحديات جسيمة” مع سعي عدة دول للانسحاب منها، وهي خطوة مُقلقة في الاتجاه الخاطئ، تدفع الكثيرين إلى فقدان الثقة في نظام مُنهار.

ومن جهتها، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تُصادق على حظر الألغام المضادة للأفراد، ومعاهدة تجارة الأسلحة، وحظر الذخائر العنقودية، واتفاقية الأسلحة الكيميائية، واتفاقية الأسلحة البيولوجية، وجميع قوانين نزع السلاح القائمة تقريبًا. ودون محاسبة الدول على جرائمها، يُخاطر القانون الدولي يتحوله إلى قانون لاغٍ وباطل.

يجب على المجتمع الدولي تجديد التزامه باحترام القانون الدولي ومحاسبة جميع الدول، بغض النظر عن المعاهدات التي وقّعتها. إن تعافي غزة وغيرها من الدول التي تعاني حاليًا من آثار الحرب لا يكمن فقط في إزالة المخلفات المادية، بل أيضًا في معالجة الإخفاقات القانونية والسياسية التي سمحت بوجودها في الأصل. على صعيد آخر، ستؤثر مخلفات الحرب القابلة للانفجار على غزة لعدة سنوات قادمة. وبينما تستغرق إزالة هذه المخلفات أعوامًا من الزمن، قد لا تنتظر غزة عدة سنوات إلى أن يتحرك المجتمع الدولي حياله، ما يعني ضرورة خضوع دولة الاحتلال الإسرائيلي للمحاسبة الآن من خلال فرض عقوبات دولية وفرض حظر عسكري شامل على الفور.

 


المراجع

عابد، أبو بكر. 2025. “مخلفات المتفجرات في غزة تُسبب عشرات الإصابات”. دروب سايت نيوز، 13 شباط/فبراير 2025. https://www.dropsitenews.com/p/unexploded-ordnance-gaza-munitions.

منظمة العمل ضد الجوع. “أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة تضررت جراء الحرب”. 25 تموز/يوليو 2024. https://www.actionagainsthunger.org/press-releases/more-than-half-of-gazas-cropland-has-been-damaged-by-conflict/.

وكالة الأناضول. 2025. “مقتل طفل فلسطيني في انفجار من مخلفات الحرب جنوب غزة”. https://www.aa.com.tr/en/middle-east/palestinian-child-killed-in-war-remnant-explosion-in-southern-gaza/3475230.

غراهام-هاريسون، إيما. 2025. “دليل مرئي لتدمير غزة”. صحيفة الغارديان، 18 كانون الثاني/يناير 2025. https://www.theguardian.com/world/2025/jan/18/a-visual-guide-to-the-destruction-of-gaza.

مركز جنيف الدولي لإزالة الألغام للأغراض الإنسانية (GICHD). دون تاريخ. “مخلفات الحرب من المتفجرات الأخرى”. تاريخ الوصول: 6 نيسان/أبريل 2025. https://www.gichd.org/explosive-ordnance/other-explosive-remnants-of-war/.

هيومن رايتس ووتش. 2003. “القانون الدولي الجديد بشأن مخلفات الحرب من المتفجرات”. https://www.hrw.org/news/2003/11/28/new-international-law-explosive-remnants-war.

هيومن رايتس ووتش. 2025. “معاهدة حظر الألغام تواجه تهديدات جسيمة”. 30 آذار/مارس 2025. https://www.hrw.org/news/2025/03/30/mine-ban-treaty-faces-significant-threats.

الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية – ائتلاف الذخائر العنقودية. 2024. أثر الألغام/مخلفات الحرب من المتفجرات على الأطفال: التقارير للفترة 2019-2023. https://backend.icblcmc.org/assets/Resource-Hub/2024/Fact-Sheet-Impact-on-Children_Final.pdf

أشجار السلام فيتنام. (دون تاريخ). “الأسئلة الشائعة”. تاريخ الوصول: 6 نيسان/أبريل 2025. https://www.peacetreesvietnam.org/about/faq.html.

بيتزينو س، والر م، وتيبيت ف، ودورهام ج. “الوفيات الناجمة عن الألغام الأرضية والمخاطر المتفجرة: نتائج من تحليل وبائي عالمي”. طب ما قبل دخول المستشفى وطب الكوارث. 2023؛ 38(ملحق 1).

مشروع مسام. (دون تاريخ). “المجتمعات الزراعية في اليمن تُدمرها تهديدات الألغام الأرضية”. تاريخ الوصول: 6 نيسان/أبريل 2025. https://www.projectmasam.com/eng/yemen-farming-communities-left-ravaged-by-landmine-threat/.

مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث. (دون تاريخ). “مخلفات الحرب من المتفجرات”. تم الوصول إليه في 6 نيسان/أبريل 2025. https://www.undrr.org/understanding-disaster-risk/terminology/hips/so0004

أخبار الأمم المتحدة. 2025. “جهود الإغاثة في غزة تتصاعد مع تزايد خطر الذخائر غير المنفجرة القاتلة”. أخبار الأمم المتحدة، 29 كانون الثاني/يناير 2025. https://news.un.org/en/story/2025/01/1159571.