بقلم: سالومي بيرثيلين، باحثة متدربة في مركز النهضة الاستراتيجي
بتاريخ 16 حزيران/يونيو، يحتفي اليوم العالمي للتحويلات المالية العائلية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015، بأكثر من 200 مليون مهاجر ممن يعيلون ما يزيد على 800 مليون فرد من أفراد أسرهم في بلدانهم الأصلية[1]. على صعيد آخر، يُسلط هذا اليوم الضوء على تأثير التحويلات المالية، الذي لا يحظى بالتقدير المناسب في معظم الأحيان، على المجتمعات الريفية والاقتصادات الهشة، ويهدف إلى تسهيل التدفقات والتبادلات المالية (للمهاجِرات خاصة)، من خلال تعزيز السياسات التي تدعم الادخار، والاستثمارات وتحسين الخدمات المالية لمتلقي هذه التحويلات، وأولئك المغتربين في الشتات في آن معًا، كما يعد خفض تكاليف التحويلات المالية إلى أقل من 3% من المبالغ المحولة بحلول عام 2030 واحدًا من أهداف اليوم العالمي للتحويلات المالية العائلية[2].
تركز هذه المدونة على تأثير التدفقات المالية المصرفية التي يرسلها المغتربون في الشتات إلى عائلاتهم وأهميتها، مع التركيز على التحويلات المالية العائلية المرسلة إلى غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
يُسلّط هذا اليوم الضوء على مليار شخص من المنخرطين[3] في التحويلات المالية، سواءً أكانوا مُرسِلين أم مُستقبِلين، إذ غالبًا ما نُقلّل من دور التحويلات المالية في الاقتصادات المحلية، لا سيما في المناطق الريفية والمناطق التي تعاني معدلات فقر مرتفعة. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، أرسل المغتربون ما قيمته 685 مليار دولار من التحويلات المالية إلى عائلاتهم في البلدان ذات الدخل المنخفضة والمتوسط، وهو مبلغ يفوق المساعدات الإنمائية الرسمية والاستثمار الأجنبي المباشر في هذه البلدان.
ولذا، تُعدّ هذه التحويلات مصدر دخل رئيسي في العديد من المناطق الريفية كما أنها المتلقي الأساسي لها. وتُقدّر الأمم المتحدة أنه سيجري تحويل 4.4 تريليون دولار إضافية بحلول عام 2030 التي سيُستثمر جزء كبير منها في الزراعة والتنمية الريفية. وكما قال “ألفارو لاريو”، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى العالمي للتحويلات والاستثمار والتنمية في العاصمة الكينية نيروبي، الذي عُقد في 14 حزيران/ يونيو 2023: “من عجيب المفارقات أن في استطاعة تحقيق أقصى استفادة من التحويلات واستثمارات المغتربين الحد من الحاجة إلى المزيد من المهاجرين، فهذه التدفقات تُسهم على نحو ملحوظ في رفاهية ملايين الأشخاص”.[4]
دور التحويلات المالية في الاقتصاد الفلسطيني
بتمكينها الناس من البقاء على قيد الحياة والحصول على الموارد الأساسية، تُنقذ التحويلات المالية حياة ملايين الأسر، وهي دافع رئيسي في التمكين الاقتصادي والتنمية المستدامة، لا سيما في البلدان ذات الاقتصادات غير المستقرة. فعلى سبيل المثال، يتسم اقتصاد الأراضي الفلسطينية بمستوى عالٍ من التبعية والهشاشة الهيكلية والقيود السياسية والأمنية الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي، وفي ظل هذه الظروف، تلعب التحويلات المالية من الشتات الفلسطيني دورًا اقتصاديًا واجتماعيًا بالغ الأهمية.
ووفقًا للبنك الدولي، ستمثل التحويلات المالية ما نسبته 18.63% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني في عام 2023، والتي تأتي على نحو رئيسي من دول الخليج، والأردن، ولبنان والدول الغربية[5]. ولكن خلال السنوات الأخيرة، أصبحت تركيا أيضًا وجهة رئيسية للهجرة بالنسبة للشباب الفلسطيني، حيث تُعتبر بمثابة أرض وسط من الناحية الثقافية بين أوروبا وفلسطين. ونتيجة السياسة التركية في تدويل التعليم العالي، يدرس العديد من الفلسطينيين في الجامعات التركية ثم يلتحقون بسوق العمل هناك، الأمر الذي يسمح لهم بإرسال مدخراتهم إلى عائلاتهم في الضفة الغربية وغزة.
دور المغتربين الفلسطينيين في تركيا
اكتسبت هذه التحويلات المالية أهمية خاصة منذ الحرب الأخيرة على غزة، فمع انهيار الوضع الاقتصادي كاملًا في القطاع منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وجدت غالبية عائلات الفلسطينيين العاملين في تركيا من الباقين في غزة أنفسهم بلا عمل، ولا دخل، ولا موارد. لذا، لا تمثل التحويلات المالية مجرد دعم مالي لهذه العائلات، بل هي المصدر الرئيسي لمعيشتها.
أوضح هاشم، وهو طالب فلسطيني من غزة، قدم إلى تركيا قبل خمس سنوات لدراسة الاقتصاد في جامعة “نيغدا” في الأناضول خلال مقابلة أجريتها معه في المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول في إسطنبول، أنه بدأ في إرسال المال الذي يكسبه من عمله إلى عائلته منذ أن حصل على شهادته الجامعية. وفي الواقع، فقد عمل في عدة وظائف في شركات ومشاريع تجارية مختلفة، بدءًا من الوكالات السياحية وحتى تجارة المأكولات التركية، فيما كان يتابع دراسته في الأثناء.
كما يضيف أنه تمكن من الالتحاق ببرنامج الماجستير بفضل منحة دراسية مقدمة من جامعته التركية، والتي تأهل لها عن طريق تقديم إثباتات تؤكد إرساله جميع دخله إلى عائلته التي تعيش في موطنه بيت حانون الواقعة في شمال غزة. وعلى الرغم من أن عائلته كانت تعد في الأصل من العائلات الغنية في بيت حانون والتي تمتلك منزلًا كبيرًا فيها، ولكن نظرًا لإطلالة هذا البيت على الأراضي الإسرائيلية، فقد كان من أوائل المباني التي دمرها الجيش الإسرائيلي في 8 تشرين الأول/أكتوبر جراء خشيته من أن تستخدمه حركة حماس نقطة إطلاق نار، نظرًا لقربه من أراضيه.
كذلك، يقول هاشم إن عائلته أصبحت معدمة الآن، كما بات يرسل لهم معظم دخله منذ بداية الحرب، مضيفًا بأنه لا يرغب في العودة للعيش في فلسطين بعد إتمام دراسته، فأولويته الآن هي الهجرة إلى أوروبا “لحماية نفسه وعائلته” من خلال استمراره في إرسال الأموال إليهم من الخارج. ونظرًا لأنه استطاع الالتحاق بالدراسة بفضل الدعم المالي الذي قدمته له عائلته في الأصل، فإنه يرى الآن في هذه التحويلات المالية التي يرسلها إليهم وسيلة “يرد بها جميل” عائلته.
ولا يملك طلاب آخرون بالضرورة سبلًا إلى العمل بالإضافة إلى مواصلة دراستهم، ولذا لجأوا إلى المنظمات التطوعية لمساعدة عائلاتهم منذ بدء الحرب على غزة. وقد كان هذا حال آية، وهي شابة فلسطينية أجريتُ معها مقابلةً أيضًا ضمن مشروعي البحثي، والتي وصلت إلى تركيا قبل ثلاث سنوات لدراسة تخصص التخدير. وترسل آية، وهي عضوٌ مخضرم في جمعية الطلاب الفلسطينيين “فودرن”، المساعدات المالية التي تحصل عليها من الجمعية إلى عائلتها في غزة، ويُتاح هذا الدعم بفضل شراكات “فودرن” مع العديد من المنظمات غير الحكومية الكبيرة، مثل هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات (IHH).
ختامًا، وبما أن التحويلات المالية تبقى المصدر الوحيد للدخل حاليًا بالنسبة للعديد من العائلات في غزة، ما يسمح لهم بشراء السلع الأساسية، فإن بقاء هذه العائلات ما يزال معتمدًا على سهولة الحصول على هذه التحويلات. ولتسهيل تحويلات المغتربين إلى عائلاتهم في غزة خلال فترة الحرب والحصار الشامل، يغدو من الضروري بمكان إنشاء ممرات مالية إنسانية آمنة، بالشراكة مع منظمات دولية موثوقة، لضمان سرعة إجراء هذه التحويلات، وإمكانية تتبعها وخلوها من العوائق السياسية أو الإدارية.
المراجع
FamilyRemittances.org. 2024. “المنتدى العالمي للتحويلات المالية والاستثمار والتنمية”. تاريخ الوصول: 11 حزيران/يونيو 2025. https://familyremittances.org/.
الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. 2023. “التحويلات المالية واستثمارات المغتربين حيوية لتعزيز الزراعة والتنمية الريفية، يقول رئيس (إيفاد)”. 14 حزيران/يونيو 2023. تاريخ الوصول: 11 حزيران/يونيو 2025. https://www.ifad.org/en/w/news/remittances-and-diaspora-investments-are-vital-to-boost-agriculture-and-rural-development-says-ifad-president.
الأمم المتحدة. 2024. “اليوم الدولي للتحويلات المالية العائلية -16 حزيران/ يونيو”. تاريخ الوصول: 11 حزيران/يونيو 2025، https://www.un.org/en/observances/remittances-day.
مجموعة البنك الدولي، 2024. “الضفة الغربية وغزة: عرض عام“. تاريخ الوصول: حزيران/يونيو 2025، https://data.worldbank.org/country/west-bank-and-gaza?utm_source=chatgpt.com
[1] الأمم المتحدة. 2024. “اليوم العالمي للتحويلات المالية العائلية -16 حزيران/يونيو”.
[2] الأمم المتحدة. 2024. “اليوم العالمي للتحويلات المالية العائلية -16 حزيران/يونيو”.
[3] FamilyRemittances.org. 2024. “المنتدى العالمي للتحويلات المالية والاستثمار والتنمية”.
[4] الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. 2023. “التحويلات المالية واستثمارات المغتربين حيوية لتعزيز الزراعة والتنمية الريفية، كما يقول رئيس (إيفاد).”
[5] مجموعة البنك الدولي. 2024. “الضفة الغربية وغزة: عرض عام“. ن.د.