المدونات والمقالات

قصة الفستان الأبيض: من طفولة صعبة إلى قيادة وتمكين!

بقلم سندس صالح، إحدى مشاركات برنامج (هي تقود)

بينما كنت طفلة في الصف الثالث الابتدائي، أحضرت لي والدتي ثلاثة فساتين: زهري، وأبيض، ونهدي، لأختار واحداً منها لارتدائه في حفل التخرج من المرحلة الابتدائية. ورغم شعري “المنكوش” في ذلك اليوم، اخترت الفستان الأبيض وحلمت بارتدائه بعد أن يسرح شعري في يوم الحفل.

لكن الظروف المالية حالت دون استمراري في الدراسة، واضطررت لترك المدرسة قبل التخرج. بقي الفستان الأبيض معلقاً في الخزانة، رمزاً لحلم لم يتحقق. ومنذ تلك اللحظة ترسخ لديّ فهم خاطئ لـ”التقبل”، إذ ظننت أن كل ما نخسره لا نعوّضه إلا في الجنة.

على النقيض، كانت شقيقتي سالي مليئة بالأمل. وكنت أدعو الله أن يبقي الأمل في قلبها حتى لا تعيش حزني ذاته. وجاءت “المعجزة” حين حصلت سالي على منحة دراسية، ومن بعدها انضممنا لبرنامج “هي تقود” الذي تنفذه منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض). ورغم أن الشروط لم تنطبق عليّ (كنت في السادسة عشرة فقط)، إلا أنني حصلت على القبول في يوم عيد ميلادي، وكأنها هدية مختلفة من الله.

هناك بدأت أتعلم معنى التقبّل الحقيقي: “التقبّل ليس استسلاماً، بل أن تعيش وتبدع بطريقتك. والظروف ليست حاجزاً، بل قد تكون دافعاً لتحقيق ما تريد.” بهذا الفهم الجديد انخرطت في دورة إعلامية مدتها ستة أشهر، ومن هنا بدأت رحلتي.

ومع أن الخوف القديم كاد يعيدني إلى “الدائرة السوداء”، جاءتني فرصة أخرى مع برنامج “هي تقود”. ترددت في البداية، لكن كلمات والدتي: “الوقت يمر بسرعة، لا تضيعوا الفرصة” دفعتني إلى خوض التجربة.

خلال التدريبات، اكتشفت مع شقيقتي أننا نواجه قضايا يومية مثل العنف الأسري وحرمان الفتيات من التعليم. قدمنا في إحدى الجلسات صورة رمزية: عود كبريت يضيء شمعة. الكبريت والشمع مختلفان لكنهما يكملان بعضهما. كانت رسالتنا: “نحن بحاجة لبعضنا لنتكامل”.

ومع الوقت، أصبحت قادرة على فهم الحقوق والسياسة والتأثير في صانعي القرار. وفاز فريقي بالمركز الأول في مسابقة دولية لتمكين المرأة في سوق العمل بين الأردن ولبنان ومصر.

اليوم، لم أعد مجرد رقم، بل إنسانة فاعلة في المجتمع. رغم الانتهاكات التي مررت بها، أصبحت ناشطة ومدافعة عن حقوق الفتيات وذوي الإعاقة، وسفيرة لليونسيف عالمياً. تعلمت أن أقول: “نعم، لديّ إعاقة حركية وأجلس على كرسي متحرك. لكنه لم يقيّدني، بل جعلني أطير وأنا جالسة”. شاركت كذلك في إعداد موجز سياسات إقليمي حول العنف الإلكتروني ضد الفتيات، وسافرت إلى لبنان لأول مرة في حياتي بالطائرة.

وراء كل هذا تقف أمي، التي كرست حياتها لنا، تخفي تعبها بابتسامة أمل وتؤجل رغباتها الشخصية.. “ماما نسيت حالها لأجلنا، وأنا اليوم فخورة بنجاحها من خلالنا. قد لا أستطيع أن أعوّضها، لكن نجاحنا هو ثمار تضحياتها”.

وبعد ثلاث سنوات من التحديات، أطلقت أنا وشقيقتي سالي مشروعنا الخاص “استديو للتصوير”، وحولنا المعرفة التي اكتسبناها إلى فهم عميق.. فالمعرفة وحدها لا تكفي، الأهم أن نفهمها. لهذا كتبت كتيباً عن الزواج المبكر وحرمان الفتيات من التعليم بعنوان: فهم المعرفة، لأوصل رسالة هي تقود لكل العالم.

أخيراً؛ عاد الفستان الأبيض ليُلبس. لم يعد رمز طفولة ضائعة، بل صار فستان النجاح والتمكين. قد لا أكون ارتديته في الصف الثالث، لكنني لبسته اليوم قائدة ومدافعة.. الفستان الأبيض اليوم أجمل بكثير!