منشورات

انهيار التعاون الغربي في المساعدات
الحاجة إلى تغيير جذري- بعد تأمل ذاتي نقدي

قطاع المساعدات الدولية في حالة صدمة؛ إذ إن تعليق جميع عقود الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وإلغاء العديد منها لاحقاً، فضلاً عن تسريح معظم موظفيها، له تأثير مباشر على ملايين الأشخاص وآلاف المنظمات الممولة من المساعدات، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية/الوطنية، بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية التي تدير برامج بتمويل أمريكي. وإن الطريقة الفظة والقاسية التي تم بها ذلك )حيث وصف ماسك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأنها “منظمة إجرامية”) تميل إلى إخفاء حقيقة أن الجهات المانحة الأوروبية للمساعدات كانت، ولا تزال، تُقلص ميزانيات مساعداتها منذ فترة، بينما حافظت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على مستواها حتى تولت الإدارة الجديدة، التي تعمل تحت شعار “لنجعل أمريكا عظيمةمجدداً” زمام الأمور هذا العام. وقد بات التأثير التراكمي لخفض ميزانيات المساعدات من قبل الجهات المانحة الغربية الرئيسية محسوساً بعمق الآن.

يستجيب قطاع المساعدات من خلال المناشدات وتقديم الحجج للحكومات المانحة الغربية لعدم خفض مساعداتها بشكل كبير. ويأمل البعض أن يكون هذا التراجع مؤقتاً فقط، وأن تستأنف المساعدات الرسمية ارتفاعها مرة أخرى في غضون بضع سنوات عندما يتغير المشهد السياسي. وبينما تسعى الجهات الفاعلة في القطاع إلى إيجاد مصادر بديلة للتمويل لتعويض الخسائر الفادحة في الدخل، ولو جزئياً، تضطر الكثير منها إلى تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، وقد أغلقت بعض المنظمات أبوابها بالفعل. لقد تعطل قطاع المساعدات الدولية بشكل عميق، و بدأنا نسمع أراءً تقول إن هذه فرصة سانحة لإجراء تغيير جذري في نظامٍ لطالما تعرض لانتقادات بسبب عيوبه الكبيرة.

يدعم هذا الموجز الرأي القائل بأن التغيير الجذري مطلوب، ولكنه يتعمق أكثر في تحليله وتصوره لطبيعة ذلك التغيير. أولاً، هناك حاجة إلى تحسين تحليل ما يحدث: فالخفض في ميزانيات المساعدات الرسمية يترافق مع تجاهل مستمر للمعايير الدولية، وهجوم مباشر متزايد على المؤسسة متعددة الأطراف الرئيسية المكلّفة بتعزيز هذه المعايير والدفاع عنها – وهي الأمم المتحدة – من قبل العديد من الدول التي كانت وراء تأسيسها في نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت ذاته، نشهد كذلك هجوماً واضحاً على حرية التعبير، والاستقلال الأكاديمي، والنشاط المدني، وحق الاحتجاج في الولايات المتحدة، وهو اتجاه كان ملحوظاً بالفعل في العديد من البلدان الأوروبية، ليس فقط في المجر ولكن أيضاً في دول أخرى تدّعي أنها  “ديمقراطيات” فاعلة.

لذلك يُجادل هذا الموجز بأنه:

  • لا يمكن للوكالات الممولة من المساعدات التركيز فقط على “تقلي” حجم المشاريع والبرامج و”إعادة ترتيب أولوياتها” أثناء البحث عن مصادر تمويل بديلة.
  • سيؤثر تراجع التعاون متعدد الأطراف على وكالات الإغاثة، وعلى الجميع، بشكل أعمق بكثير من خفض ميزانيات المساعدات. نحن نشهد ظهور “عصر امبراطوريات” جديد حيث “القوة هي الحق”.
  • لا يمكن لقطاع المساعدات أن يتجاهل، كما فعل في الغالب خلال السنوات الثلاثين الماضية، الاقتصادات السياسية الوطنية والإقليمية والدولية التي تُسبب الفقر والتهميش والمرض و”التخلف” والحروب والنزوح القسري والمعاناة الإنسانية، وتعمل على بقائها.
  • يجب على المنظمات غير الحكومية الدولية، لاسيما في الدول الغربية، أن تنخرط بشكل أكثر في التعامل مع قضايا الفقر والتهميش وآثار أزمة المناخ، وكذلك مع الاستقطاب الاجتماعي والسياسي في مجتمعاتها المحلية، والسياسات الاقتصادية لحكوماتها.
  • ثمة حاجة إلى إعادة التفكير بشكل جذري بالغرض والموقف والدور في ضوء ما يحتاجه هذا العالم “الجديد” ويجب أن يبدأ ذلك بمراجعة ذاتية نقدية في كل وكالة لكيفية عملها على مدار العشرين إلى الخمسة وعشرين عاماً الماضية، سواء على المستوى الفردي أو كجزء من “قطاع” أوسع. يجب علينا التخلي عن العقليات وأساليب العمل التي لا تختلف كثيراً عمّا يتسبب في الأزمات اليوم. وعندها فقط يمكننا أن نفكر بمنظور جديد في كيفية المساهمة بشكل أفضل في تلبية احتياجات العالم اليوم. يطرح الملحق بعض المجالات الأولية لمثل هذا التأمل الذاتي النقدي.

محتوى ذو صلة