المدونات والمقالات

ماذا نتوقع من الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة؟

بقلم ماريا مارياني

مع افتتاح الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 أيلول/سبتمبر في مدينة نيويورك، يجتمع قادة العالم في خضم تحديات غير مسبوقة في مجالات السلام، والأمن والحوكمة العالمية.[1] ولا تقتصر دورة هذا العام على كونها منتدى للحوار الدبلوماسي فحسب، بل تأتي في وقت حرج وهشّ لمعالجة الأزمات الملحة التي تهدد الاستقرار والأمن العالميين، لا سيما في ظل الحرب الدائرة على غزة، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، والخفض المالي الحاد في المساعدات الإنسانية، وهي ذات عواقب وخيمة على الفئات الأكثر ضعفًا في العالم.

اُستبقت دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة القادمة بنقطة جدل كبيرة، برزت مع قرار الولايات المتحدة حجب أو إلغاء تأشيرات مسؤولي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما منعهم من الحضور.[2] وعلى الرغم من هذه الخطوة، اعتمدت 142 دولة، في تصويت تاريخي يوم الجمعة الماضي، إعلان نيويورك السعودي الفرنسي من أجل دولة فلسطينية مستقلة، الأمر الذي أعطى زخمًا جديدًا لحل الدولتين.[3] يمهد هذا التصويت، الذي يعكس إجماعًا عالميًا غير مسبوق على الاعتراف الدولي بضمانات فلسطين وحق الفلسطينيين في تقرير المصير، الطريق الآن لمؤتمر الأمم المتحدة المقبل حول حل الدولتين، برئاسة مشتركة بين الرياض وباريس، في 22 أيلول/سبتمبر، إذ تعهد عدد من الدول، بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وبلجيكا وأستراليا، بالاعتراف رسميًا بدولة فلسطين.[4] وهذه هي الخطوة الأخيرة في الضغط الدولي المتزايد على إسرائيل لإنهاء حربها على غزة، التي أودت بحياة أكثر من 64 ألف شخص مع إصابة عشرات الآلاف، وخلقت ظروف مجاعة وسط كارثة إنسانية متفاقمة.

تُذكّر هذه الحرب أيضًا برسالة الأمم المتحدة الأساسية المتمثلة في تعزيز السلام والأمن في جميع أنحاء العالم، كما هو منصوص عليه في ميثاقها[5] وروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.[6] ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، فليس بالإمكان إنكار الحاجة المُلِحّة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، وحتى الآن، فشلت منظومة الأمم المتحدة في تقديم استجابات واقعية لهذه الأزمة. وتُلقي الهجمات المتواصلة على السكان، والانتهاكات المتكررة للقانون الإنساني الدولي، وإفلات الدول المحتلة من العقاب، بظلالها على مستقبل المؤسسات متعددة الأطراف والإطار القانوني الدولي المُصمّم لحماية الأفراد وإحقاق العدالة.

من جهة أخرى، تُفاقم أزمة تمويل الأمم المتحدة المستمرة هذه التحديات، والتي وصلت إلى مرحلة حرجة. فقد أجرت إدارة ترامب خفضًا واسع النطاق في المساعدات الخارجية، بما في ذلك مئات الملايين المخصصة لوكالات الأمم المتحدة، وفرضت قيودًا على الإنفاق الإضافي، وهو ما يُمثل تقليصًا كبيرًا في المخصصات، إذ ما تزال الولايات المتحدة أكبر ممول للأمم المتحدة، إذ قدمت لها حوالي 13 مليار دولار أمريكي في عام 2023.[7]

تكافح العديد من الدول الأعضاء للوفاء بالتزاماتها المالية، بما يُعيق بشدة قدرة المنظمة على الاستجابة الفاعلة للأزمات. ولا يُقوّض هذا الوضع فعالية الأمم المتحدة التشغيلية فحسب، بل يُثير أيضًا تساؤلات حول شرعيتها بوصفها هيئة حاكمة عالمية، وفي حال عجز الأمم المتحدة عن تأمين الموارد الكافية للوفاء بولايتها، فسيستمر دورها في التضاؤل.

علاوة على ذلك، يُنظر على نحو متزايد إلى نموذج التمويل الحالي على أنه غير منصف، مع تزايد الدعوات إلى الإصلاح. تُطالب المزيد من دول الجنوب العالمي، ولا سيما الهند، والبرازيل، والصين وجنوب إفريقيا، بدور أكبر في تشكيل جدول أعمال الأمم المتحدة وعملية صنع القرار.

وليست هذه الدعوة إلى تمثيلٍ أكبر مجرد مسألة إنصاف؛ بل هي ضرورية للحوكمة الفعالة في عصر تشهد فيه ديناميكيات القوة تحولات عالمية، إذ يجب على الأمم المتحدة أن تتكيف لتعكس الحقائق المتنوعة لعالم متعدد الأقطاب، حيث تُعدّ وجهات النظر المختلفة حاسمة في مواجهة تحديات السلام والأمن المعقدة. وليس هذا الدفع من الجنوب هجومًا على العالم المتعدد الأطراف أو دعوة إلى تفكيك نظام الأمم المتحدة، بل هو فرصة لإعادة تشكيل نظام الحوكمة العالمية، لمناسبة الغايات بمزيد من الدقة، وخدمة الناس على نحو أكثر مباشرة كذلك، إذ تمثل هذه البلدان معظم سكان العالم.

في الختام، وبينما نشهد تصاعدًا مُقلقًا في العنف وعدم الاستقرار، يمتد من المنطقة العربية إلى أوروبا الشرقية وخارجها، يغدو من الضروري بالنسبة لقادة العالم مواجهة تحديات عصرنا المُلحة على وجه السرعة. لقد ثبت بالفعل أن عواقب التقاعس عن العمل وخيمة، إذ تُبرز الحرب على غزة مدى الاستنزاف الذي يُمكن أن يُسببه انقسام القوى الكبرى مع وجود ملايين الأرواح على المحك.

لذا، وخلال هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة، يجري حثّ الدول الأعضاء مرة أخرى على تحويل تعهداتها والتزاماتها إلى نتائج ملموسة.

سيكون نجاح هذه الجهود أو فشلها حاسمًا، لا من حيث تحديد مصداقية الأمم المتحدة، وأهميتها وفعاليتها في المستقبل، ولكن في إعادة تشكيل النظام متعدد الأطراف الحالي أيضًا. وإذا ما فشلت الدول الأعضاء في التصرف بحزم وشجاعة، فإننا نُخاطر بسيناريو يحكم فيه أقوى اللاعبين وأكثرهم عدوانية العالم، الأمر الذي يُهدد الاستقرار والأمن الدوليين. ويجب على زعماء العالم أن يتحدوا في جهد متضافر، مؤكدين بقوة على مسؤوليتهم في تعزيز مبادئ الإنسانية، والتضامن، والعدالة والسلام وحمايتها، كما تعهدوا بذلك عند اعتمادهم ميثاق الأمم المتحدة.


 

[1] https://www.un.org/ar/high-level-week-2025

[2] https://www.aljazeera.com/news/2025/8/29/us-denies-visas-for-palestinian-officials-ahead-of-un-assembly

[3] https://www.arabnews.com/node/2615205/middle-east

[4] https://www.aljazeera.com/news/2025/9/9/illusions-stripped-away-what-to-know-about-the-80th-un-general-assembly

 

[5] https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/full-text

[6] https://www.un.org/ar/about-us/universal-declaration-of-human-rights

[7] https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jul/06/the-un-is-our-best-defence-against-a-third-world-war-as-trump-wields-the-axe-who-will-fight-to-save-it