المدونات والمقالات

الجمعيات الشهرية” و”التونتين”: نظامان ماليان مجتمعيان يعززان الرفاه الاجتماعي الاقتصادي

في ظل الصعوبات المالية المؤثرة سلبًا على الطبقتين المتوسطة والدنيا، كثيرًا ما دأب الأفراد والمجتمعات على التشكيك في الأنظمة القائمة وسبل ضمان بقائهم الاقتصادي. وجراء حرمان معظم سكان الجنوب العالمي من الوصول إلى النظام المالي الرسمي، فقد لجأ الكثير باستمرار إلى اتباع استراتيجيات بديلة لضمان رفاههم ورفاهية مجتمعاتهم لعدة أجيال قادمة.

تناقش هذه المدونة نظامين ماليين مجتمعيين متشابهين للغاية، وهما الجمعيات الشهرية (أو جمعية الادخار الشهرية الدورية) السائدة في الشرق الأوسط، ونظام “التونتين”، المستخدم على نحو رئيسي في بلدان غرب إفريقيا، وهما يمثلان استراتيجيات فعالة للتغلب على الصعوبات الاقتصادية وتعزيز التماسك الاجتماعي.

وغالبًا ما تشكل نساء من الطبقة المتوسطة أو من ذوات الظروف الاقتصادية الأكثر هشاشة هذه الأنظمة المالية، والتي مثلت جانبًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي في الشرق الأوسط وغرب إفريقيا عبر التاريخ، كما هو الحال في مناطق أخرى من العالم الذي توجد فيه أنظمة مماثلة. في الأردن، لا تقتصر الجمعيات على تعزيز رفاه المواطنين الأردنيين الاقتصادي فحسب؛ بل يعتمدها العمال المهاجرون أيضًا لدعم سبل معيشتهم، ومن خلال هذه الأنظمة، يودع الأعضاء مبلغًا محددًا من المال شهريًا، ويحصل أحد الأعضاء على المبلغ المحصّل من الجميع آخر كل شهر.

تتيح هذه الأنظمة لأعضائها جمع الموارد المالية اللازمة لتغطية نفقات الحياة اليومية، والاستثمار في المشاريع الشخصية والتجارية، ورفاهية مجتمعاتهم. ولهذه الأسباب كلها، تُعدّ الجمعيات الشهرية و”التونتين” مثالين بارزين على السبل التي تحقق محلية الخدمات من خلالها فوائد اجتماعية متنوعة، خاصة عندما لا تتاح هذه الخدمات لمعظم السكان.

 

مقاومة الاستبعاد من النظام المالي الرسمي

أكدت السيدة عفيافي كوبلانو، المقيمة في داكار والمنتمية إلى العديد من أنظمة “التونتين” في مقابلة معها، أن الناس ينشئون هذه الأنظمة للتغلب على “الاحتياجات المالية والاجتماعية والثقافية”، موضحة بأن “الناس في حاجة إلى المال بسبب وجود المشاكل الاقتصادية والصحية، غير أـن البنوك غير متاحة للجميع لحل هذه المشاكل”.

وانتقدت كوبلانو صعوبة الوصول إلى النظام المالي الرسمي في السنغال، وخاصة بالنسبة للأفراد الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى نظام التعليم الرسمي على نطاق واسع. وذكرت الدكتورة غدير حمدان، الأستاذة المقيمة في عمّان خلال مقابلة معها ديناميكية مماثلة، أوضحت فيها معاناة الوصول إلى النظام المالي الرسمي في الأردن أيضًا من التقييد، وذلك بناءً على وضع الفرد الاجتماعي الاقتصادي.

تؤكد البيانات التي قدمها صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأردني صحة الشروحات التي قدمتها كوبلانو ود. حمدان، فوفقًا للصندوق، ما يزال الحصول على الائتمان يمثل تحديًا كبيرًا لمعظم النساء في غرب إفريقيا، إذ لا تتجاوز نسبة النساء الحاصلات على الائتمان 5.1%، بينما لا يمتلك أقل من 37% منهن حسابات مصرفية[1]. وفي الأردن، أفاد البنك المركزي الأردني بأنه “اعتبارًا من عام 2017، لم يستطع 67% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 15 عامًا الوصول إلى النظام المالي الرسمي من خلال امتلاكهم حسابات مصرفية؛ كما حُرم 38% من البالغين من أي خدمات مالية رسمية، وحُرم 24.8% منهم تمامًا من أي خدمات مالية رسمية وغير رسمية “.[2]

ولهذه الأسباب، أصبحت الجمعيات و”التونتين” أداتين رئيسيتين “للوصول إلى مبلغ من المال لا يستطيع معظم الناس توفيره بمفردهم”، بحسب كوبلانو. عن طريق استخدام هذه الأنظمة، يستطيع الناس أيضًا تجنب الفوائد المرتفعة على القروض، والتي غالبًا ما تُمثل عقبات اقتصادية لا يمكن التغلب عليها، إضافة إلى تحريمها وغير شرعيتها في الشريعة الإسلامية. وأخيرًا، يُمثل نظاما التمويل الأصغر هذان دعمًا أساسيًا للازدهار الاجتماعي الاقتصادي والبقاء في سياق لا يتوفر فيه النظام المالي الرسمي لغالبية السكان.

 

الفوائد الاجتماعية الاقتصادية والازدهار

تعد الجمعيات و”التونتين” أنظمة مالية واجتماعية في آنٍ واحد، ولذا تُحقق أثرًا إيجابيًا واسع النطاق في المجتمعات التي تُطبّق فيها، إذ تتيح الفرصة لجمع مبالغ مالية يستحيل على فردٍ واحدٍ تحصيلها لولا ذلك، والتي تُستخدم غالبًا في تنفيذ مشاريع ريادية، ودفع فواتير الرعاية الطبية والمدرسية، وتوفير المال.

في الوقت نفسه، لا تقتصر فوائد الجمعيات و”التونتين” على هذه الجوانب المالية. بل على العكس من ذلك، يُحدد المشاركون سير عمل هذه الأنظمة بالاتفاق مع بعضهم، إضافة إلى إنشاء روابط بين أعضائها. وفقًا للسيدة كوبلانو، يعزز “التونتين” الثقة المتبادلة والتضامن والدعم داخل المجموعة”، وهو أداة جماعية فعّالة لنشر المعرفة المالية بين أفراد المجتمع ودعم الأعضاء الذين “لا يعرفون سبل إدارة الائتمان وتوفير المال، إذ تسنح للمشاركين فرصة التعود على إدارة الأموال”. بالإضافة إلى ذلك، يمثل “التونتين” في السنغال آلية تُساعد في الحد من عدم المساواة بين الجنسين إضافة إلى تمكين المرأة. وكما تقول السيدة كوبلانو، “يسمح “التونتين” للنساء بالاستقلال المالي، إلى جانب تمكينهن من المبادرة وتحسين ظروفهن المعيشية وظروف أسرهن”.

كما يمثل “التونتين” في السنغال استراتيجية فعّالة لتعويض نقص الخدمات التي تُقدمها دولة الرفاه، وتُصبح أداة أساسية في بقاء الأفراد والجماعات. على سبيل المثال، إذا كان أحد الأعضاء في هذا النظام مريضًا وبحاجة إلى مساعدة طبية، يُقرر أعضاء “التونتين” تحويل الأموال المحصّلة إليه، حتى وإن لم يحن دوره بعد”.

من ناحية أخرى، يميل المشاركون في الجمعيات في الأردن إلى الالتزام بالتتابع أو الدور المختار منذ البداية. وفي الوقت نفسه، فما تزال الروابط والشبكات الاجتماعية التي تعززها الجمعيات وتقويها تُستخدم لمساعدة أفراد المجتمع. خلال مقابلة معهما، أوضحت الدكتورة هدى أبو قطيش والدكتورة دينا الكركي، وهما أستاذتان جامعيتان في عمّان، أنه “عند حدوث أمر طارئ لشخص ما، فإننا نجمع الأموال من بعضنا البعض ونخصصها لصاحب أو صاحبة الحاجة، وهو أمر مختلف موجود في الإسلام نسميه التكافل الاجتماعي، ويعني أنه إذا ما علمنا بأن شخصًا ما بحاجة إلى المساعدة، فإننا نمد له يد العون بأي طريقة ممكنة”.

ختامًا؛ تُعد الجمعيات و”التونتين” شاهدين مهمين على الطرق التي تكون بها محلية الحلول أداة ناجحة لتحقيق الرفاه الاقتصادي الاجتماعي، كما يواصلان تذكيرنا بالقمع الذي يُواصل النظام المالي المُعولم ترسيخه اليوم، لا سيما ضد شعوب الجنوب العالمي. في الوقت نفسه، تُبيّن الجمعيات و”التونتين” أن المجتمع المدني قد يثمر عن صور ناجحة من مقاومة ديناميكيات الاستعمار الجديد وسياساته عند تنظيم هذا المجتمع حول شبكات وروابط مجتمعية متينة. كما يُبينان مدى قدرة المجتمع المدني على خلق أنظمة اجتماعية اقتصادية بديلة تزدهر خارج النماذج القمعية والفردية التي يفرضها النظام الاستعماري الرأسمالي الجديد، الذي يسعى إلى إطالة أمد التفاوتات العالمية واستغلال القوى العاملة.


[1]فاي، م. (2024، 24 تموز/يوليو). القروض الصغيرة : تعليق Les Prêts تحويل حياة سيدات الأعمال في غرب إفريقيا. بي بي سي نيوز أفريكا. https://www.bbc.com/afrique/articles/cg3e0xp3gp4o

[2]تقرير الاشتمال المالي 2018-2020 – عمّان . (آذار/مارس 2021). https://www.cbj.gov.jo/ebv4.0/root_storage/en/eb_list_page/financial_inclusion_report_2018_-2020.pdf